الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
(وَهِيَ جَمْعُ حَدٍّ وَهُوَ) لُغَةً: الْمَنْعُ، وَحُدُودُ اللَّهِ مَحَارِمُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} وَحُدُودُهُ أَيْضًا مَا حَدَّهُ وَقَدَّرَهُ كَالْمَوَارِيثِ وَتَزْوِيجِ الْأَرْبَعِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} وَمَا حَدَّهُ الشَّرْعُ لَا تَجُوزُ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ وَعُرْفًا (عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا فِي مَعْصِيَةٍ) مِنْ زِنًا وَقَذْفٍ وَشُرْبٍ وَقَطْعِ طَرِيقٍ وَسَرِقَةٍ (لِتَمْنَعَ) تِلْكَ الْعُقُوبَةُ (مِنْ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِهَا) أَيْ: الْمَعْصِيَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ إمَّا مِنْ الْمَنْعِ؛ لِمَنْعِهِ الْوُقُوعَ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ، أَوْ مِنْ التَّقْدِيرِ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ شَرْعًا أَوْ مِنْ مَعْنَى الْمَحَارِمِ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ لَهَا أَوْ زَوَاجِرُ عَنْهَا (وَلَا يَجِبُ) حَدٌّ إلَّا عَلَى مُكَلَّفٍ لِحَدِيثِ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَدُّ أَوْلَى بِالسُّقُوطِ مِنْ الْعِبَادَةِ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَمَنْ يُخْنَقُ إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى فِي إفَاقَتِهِ أَخَذَ بِإِقْرَارِهِ وَحُدَّ، وَإِنْ أَقَرَّ فِي إفَاقَتِهِ أَنَّهُ زَنَى وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى حَالٍ أَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ زَنَى وَلَمْ تُضِفْهُ إلَى حَالِ إفَاقَتِهِ فَلَا حَدَّ؛ لِلِاحْتِمَالِ، وَكَذَا لَا حَدَّ عَلَى نَائِمٍ وَنَائِمَةٍ (مُلْتَزِمِ) أَحْكَامِنَا مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ، بِخِلَافِ حَرْبِيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ، وَتَقَدَّمَ فِي الْهُدْنَةِ يُؤْخَذُ مُهَادَنٌ بِحَدٍّ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ وَسَرِقَةٍ لَا بِحَدٍّ لِلَّهِ كَزِنًا (عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ) لِقَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ لَا حَدَّ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ فَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ جَهِلَهُ كَمَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الزِّنَا أَوْ عَيْنَ الْمَرْأَةِ، كَمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا ظَنًّا أَنَّهَا امْرَأَتُهُ لِحَدِيثِ {ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ}. (وَإِقَامَتُهُ) أَيْ: الْحَدِّ (لِلْإِمَامِ وَنَائِبِهِ مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْحَدُّ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ زِنًا أَوْ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى الِاجْتِهَادِ وَلَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْحَيْفُ فَوَجَبَ تَفْوِيضُهُ إلَى نَائِبِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ. وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقِيمُ الْحُدُودَ فِي حَيَاتِهِ وَكَذَا خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَيَقُومُ نَائِبُ الْإِمَامِ فِيهِ مَقَامَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا. وَأَمَرَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ وَلَمْ يَحْضُرْهُ} {وَقَالَ فِي سَارِقٍ أُتِيَ بِهِ اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ}. (وَتَحْرُمُ شَفَاعَةٌ) فِي حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ الْإِمَامَ. (وَ) يَحْرُمُ (قَبُولُهَا) أَيْ: الشَّفَاعَةِ (فِي حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ الْإِمَامَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ} وَلِأَنَّ الشَّفَاعَةَ فِيهِ طَلَبُ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ عَلَى مَنْ طُلِبَ مِنْهُ. (وَلِسَيِّدٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ عَالِمٍ بِهِ) أَيْ الْحَدِّ (وَبِشُرُوطِهِ وَلَوْ) كَانَ السَّيِّدُ (فَاسِقًا أَوْ امْرَأَةً إقَامَتُهُ) أَيْ: الْحَدِّ (بِجَلْدٍ، وَإِقَامَةُ تَعْزِيرٍ عَلَى رَقِيقٍ كُلِّهِ) لَا مُبَعَّضَ (لَهُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَلِأَنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ تَأْدِيبَ رَقِيقِهِ وَضَرْبَهُ عَلَى الذَّنْبِ، وَهَذَا مِنْ جِنْسِهِ، وَلِكَوْنِ سَبَبِ وِلَايَتِهِ الْمِلْكَ، اسْتَوَى الْعَدْلُ وَالذَّكَرُ فِيهِ وَضِدُّهُمَا وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِمُكَاتِبٍ وَلَا شَرِيكٍ فِي قِنٍّ إقَامَتُهُ عَلَيْهِ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ، وَلَا لِغَيْرِ مُكَلَّفٍ لِأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ (وَلَوْ) كَانَ الرَّقِيقُ (مُكَاتَبًا أَوْ مَرْهُونًا أَوْ مُسْتَأْجَرًا) فَلِسَيِّدِهِ جَلْدُهُ فِي الْحَدِّ بِشَرْطِهِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِتَمَامِ مِلْكِهِ عَلَيْهِمْ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُكَاتَبِ تَبِعَ فِيهِ التَّنْقِيحَ وَالْفُرُوعَ. وَنُقِلَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ عَنْ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ لِاسْتِقْلَالِهِ بِمَنَافِعِهِ وَكَسْبِهِ و(لَا) يُقِيمُهُ سَيِّدٌ عَلَى أَمَةٍ (مُزَوَّجَةٍ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ " إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مُزَوَّجَةً رُفِعَتْ إلَى السُّلْطَانِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ جَلَدَهَا سَيِّدُهَا نِصْفَ مَا عَلَى الْمُحْصَنِ " وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ مِلْكًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ أَشْبَهَتْ الْمُشْتَرَكَةَ (وَمَا ثَبَتَ) مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى رَقِيقٍ (يَعْلَمُهُ) أَيْ: السَّيِّدُ بِرُؤْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (أَوْ إقْرَارِ) رَقِيقٍ (كَ) الثَّالِثِ (بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى التَّأْدِيبِ بِخِلَافِ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ مُتَّهَمٌ، وَلِلسَّيِّدِ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ عَلَى رَقِيقِهِ إذَا عَلِمَ شُرُوطَهَا (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (قَتْلٌ فِي رِدَّةٍ. وَ) لَا (قَطْعٌ فِي سَرِقَةٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ تَفْوِيضٌ إقَامَةِ الْحَدِّ إلَى الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا فُوِّضَ إلَى السَّيِّدِ الْجَلْدُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ تَأْدِيبٌ، وَالْحَدِيثُ جَاءَ فِي جَارِيَةٍ زَنَتْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ الْحَدَّ وَشَبَهَهُ وَلِأَنَّ فِي الْجَلْدِ سَتْرًا عَلَى رَقِيقِهِ لِئَلَّا يَفْتَضِحَ بِإِقَامَةِ الْإِمَامِ الْحَدَّ عَلَيْهِ فَتَنْقُصَ قِيمَتُهُ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِيهِمَا. (وَتَجِبُ إقَامَةُ الْحَدِّ وَلَوْ كَانَ مَنْ يُقِيمُهُ) أَيْ الْحَدَّ (شَرِيكًا أَوْ عَوْنًا لِمَنْ يُقِيمُهُ) أَيْ: الْحَدَّ (عَلَيْهِ فِي) تِلْكَ (الْمَعْصِيَةِ) لِوُجُوبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مَعْصِيَتَيْنِ. (وَتَحْرُمُ إقَامَتُهُ) أَيْ الْحَدِّ (بِمَسْجِدٍ) لِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسْتَقَادَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنْ تُنْشَدَ الْأَشْعَارُ بِالْمَسْجِدِ وَأَنْ تُقَامَ فِيهِ الْحُدُودُ} وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ حُدُوثِ مَا يُلَوِّثُ الْمَسْجِدَ فَإِنْ أُقِيمَ بِهِ لَمْ يُعَدْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الزَّجْرِ. (أَوْ) أَيْ: وَيَحْرُمُ (أَنْ يُقِيمَهُ) أَيْ الْحَدَّ (إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ بِعِلْمِهِ) أَيْ: بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ} وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّكَلُّمُ بِهِ فَالْعَمَلُ أَوْلَى حَتَّى لَوْ رَمَاهُ بِمَا عَلِمَهُ مِنْهُ لَكَانَ قَاذِفًا بِحَدٍّ لِلْقَذْفِ. (أَوْ) أَيْ: وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ (وَصِيٌّ عَلَى رَقِيقِ مُوَلِّيهِ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ (كَأَجْنَبِيٍّ) فَلَا يُقِيمُهُ عَلَى رَقِيقِ غَيْرِهِ. (وَلَا يَضْمَنُ مَنْ) أَقَامَ حَدًّا عَلَى مَنْ (لَيْسَ لَهُ إقَامَتُهُ) عَلَيْهِ (فِيمَا حَدُّهُ الْإِتْلَافُ) كَقَتْلِ زَانٍ مُحْصَنٍ وَقَطْعٍ فِي سَرِقَةٍ لَكِنْ يُؤَدَّبُ الْفَاعِلُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ. (وَيَضْرِبُ الرَّجُلَ) الْحَدَّ (قَائِمًا) لِيُعْطِيَ كُلَّ عُضْوٍ حَظَّهُ مِنْ الضَّرْبِ (بِسَوْطٍ) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَنْ عِنْدَهُ حَجْمُ السَّوْطِ بَيْنَ الْقَضِيبِ وَالْعَصَا، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلْحَنَفِيَّةِ. وَفِي الْمُخْتَارِ لَهُمْ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: فَيَتَعَيَّنُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْجِلْدِ (لَا خَلَقٌ) نَصًّا. بِفَتْحِ اللَّامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْلِمْ (وَلَا جَدِيدٌ) لِئَلَّا يَجْرَحَ. وَفِي الرِّعَايَةِ: بَيْنَ الْيَابِسِ وَالرَّطْبِ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا {أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ. فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُكْسَرْ ثَمَرَتُهُ. فَقَالَ: بَيْنَ هَذَيْنِ}. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا، وَعَنْ عَلِيٍّ ضَرْبٌ بَيْنَ ضَرْبَيْنِ، وَسَوْطٌ بَيْنَ سَوْطَيْنِ أَيْ: لَا شَدِيدٌ فَيَقْتُلُ وَلَا ضَعِيفٌ فَلَا يُرْدِعُ (بِلَا مَدٍّ وَلَا رَبْطٍ، وَلَا تَجْرِيدٍ) مِنْ ثِيَابٍ. لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَيْسَ فِي دِينِنَا مَدٌّ وَلَا قَيْدٌ وَلَا تَجْرِيدٌ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلُ ذَلِكَ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْقَمِيصُ وَالْقَمِيصَانِ، وَيُنْزَعُ عَنْهُ فَرْوُ وَجُبَّةٌ مَحْشُوَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يُبَالِ بِالضَّرْبِ (وَلَا يُبَالَغْ فِي ضَرْبٍ) بِحَيْثُ يَشُقُّ الْجِلْدَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَدَبُهُ لَا إهْلَاكُهُ (وَلَا يُبْدِي ضَارِبٌ إبْطَهُ فِي رَفْعِ يَدٍ) لِلضَّرْبِ نَصًّا (وَسُنَّ تَفْرِيقُهُ) أَيْ: الضَّرْبُ (عَلَى الْأَعْضَاءِ) لِيَأْخُذَ مِنْهُ كُلُّ عُضْوٍ حَظَّهُ، وَتَوَالِي الضَّرْبِ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِهِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِعَدَمِهِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيُكْثِرُ مِنْهُ فِي مَوَاضِعِ اللَّحْمِ كَالْأَلْيَتَيْنِ وَالْفَخِذَيْنِ (وَيَضْرِبُ مِنْ جَالِسٍ ظَهْرَهُ وَمَا قَارَبَهُ) أَيْ: الظَّهْرَ. (وَيَجِبُ) فِي الْجَلْدِ (اتِّقَاءُ وَجْهٍ وَ) اتِّقَاءُ (فَرْجٍ وَ) اتِّقَاءُ (مَقْتَلٍ) كَفُؤَادٍ وَخُصْيَتَيْنِ. لِئَلَّا يُؤَدِّيَ ضَرْبُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إلَى قَتْلِهِ وَإِذْهَابِ مَنْفَعَتِهِ، وَالْقَصْدُ أَدَبُهُ فَقَطْ. (وَامْرَأَةٌ كَرَجُلٍ. إلَّا أَنَّهَا تُضْرَبُ جَالِسَةً) لِقَوْلِ عَلِيٍّ تُضْرَبُ الْمَرْأَةُ جَالِسَةً وَالرَّجُلُ قَائِمًا (وَتُشَدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، وَتُمْسَكُ يَدَاهَا) لِئَلَّا تَتَكَشَّفَ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ، وَفِعْلُ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا. (وَيُجْزِئُ) ضَرْبٌ فِي حَدٍّ (بِسَوْطٍ مَغْصُوبٍ) عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى النَّهْيِ لِلْإِجْمَاعِ، ذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيدِ. (وَتُعْتَبَرُ) لِإِقَامَةِ حَدٍّ (نِيَّةٌ) بِأَنْ يَنْوِيَهُ لِلَّهِ. وَلِمَا وَضَعَ اللَّهُ ذَلِكَ لِحَدِيثِ {إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ} لَكِنْ إنْ نَوَى الْإِمَامُ وَأَمَرَ عَبْدًا أَعْجَمِيًّا لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِالنِّيَّةِ أَجْزَأَتْ نِيَّةُ الْإِمَامِ، وَالْعَبْدُ كَالْآلَةِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ، فَلَوْ حَدَّهُ لِلتَّشَفِّي أَثِمَ وَيُعِيدُهُ. ذَكَرَهُ فِي الْمَنْثُورِ عَنْ الْقَاضِي وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا وَهُوَ أَظْهَرُ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. و(لَا) تُعْتَبَرُ (مُوَالَاةُ) الضَّرْبِ فِي الْجَلْدِ لِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ وَلِسُقُوطِهِ بِالشُّبْهَةِ. (وَأَشَدُّهُ) أَيْ الْجَلْدِ فِي الْحُدُودِ (جَلْدُ زِنًا فَ) جَلْدُ (قَذْفٍ فَ) جَلْدُ (شُرْبِ) خَمْرٍ (فَ) جَلْدُ (تَعْزِيرٍ) لِأَنَّهُ تَعَالَى خَصَّ الزِّنَا بِمَزِيدِ تَأْكِيدٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} فَاقْتَضَى مَزِيدَ تَأْكِيدٍ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْعَدَدِ فَيَكُونُ فِي الصِّفَةِ وَلِأَنَّ مَا دُونَهُ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْعَدَدِ فَكَذَا فِي الصِّفَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا خُفَّ عَدَدُهُ فِي صِفَتِهِ. (وَإِنْ رَأَى إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ الضَّرْبَ فِي حَدِّ شُرْبِ) مُسْكِرٍ (بِجَرِيدٍ أَوْ نِعَالٍ وَقَالَ جَمْعٌ وَبِأَيْدٍ) قَالَ (الْمُنَقِّحُ وَهُوَ أَظْهَرُ فَلَهُ ذَلِكَ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَقَالَ اضْرِبُوهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَمِنَّا الضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ وَالضَّارِبُ بِيَدِهِ}. (وَلَا يُؤَخَّرُ اسْتِيفَاءُ حَدٍّ لِمَرَضٍ وَلَوْ رَجَى زَوَالُهُ) لِأَنَّ عُمَرَ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ فِي مَرَضِهِ وَلَمْ يُؤَخِّرْهُ وَانْتَشَرَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَمْرِ أَنَّهُ لِلْفَوْرِ فَلَا يُؤَخَّرُ الْمَأْمُورُ بِهِ بِلَا حُجَّةٍ. (وَلَا) يُؤَخِّرُ (الْحَرُّ أَوْ بَرْدٌ أَوْ ضَعْفٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ كَانَ) الْحَدُّ (جَلْدًا وَخِيفَ) عَلَى الْمَحْدُودِ (مِنْ السَّوْطِ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَيُقَامُ) عَلَيْهِ الْحَدُّ (بِطَرَفِ ثَوْبٍ وَعُثْكُولِ نَخْلٍ) وَالْعُثْكُولُ بِوَزْنِ عُصْفُورٍ هُوَ الضِّغْثُ بِالضَّادِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَإِذَا أَخَذَ ضِغْثًا بِهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَلِأَنَّ ضَرْبَهُ التَّامَّ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِهِ وَتَرْكَهُ بِالْكُلِّيَّةِ غَيْرُ جَائِزٍ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرَ. (وَيُؤَخَّرُ) الْحَدُّ (لِسُكْرٍ حَتَّى يَصْحُوَ) الشَّارِبُ نَصًّا (فَلَوْ خَالَفَ) وَأَقَامَ الْحَدَّ عَلَيْهِ فِي سُكْرِهِ (سَقَطَ) الْحَدُّ (إنْ أَحَسَّ) بِأَلَمِ الضَّرْبِ كَمَا لَوْ يَكُنْ سَكْرَانَ (وَإِلَّا) يُحِسَّ بِأَلَمِ الضَّرْبِ (فَلَا) الْحَدُّ يَسْقُطُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يَزْجُرُهُ. (وَيُؤَخَّرُ قَطْعٌ) فِي سَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا (خَوْفَ تَلَفِ) مَحْدُودٍ بِقَطْعِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَصْدَ زَجْرُهُ لَا إهْلَاكُهُ. (وَيَحْرُمُ بَعْدَ) إقَامَةِ (حَدٍّ حَبْسُ) مَحْدُودٍ (وَإِيذَاؤُهُ بِكَلَامٍ) كَالتَّعْيِيرِ لِنَسْخِهِ بِمَشْرُوعِيَّةِ الْحَدِّ كَنَسْخِ حَبْسِ الْمَرْأَةِ. (وَمَنْ مَاتَ) بِجَلْدٍ (فِي تَعْزِيرٍ أَوْ) مَاتَ فِي (حَدٍّ بِقَطْعٍ أَوْ جَلْدٍ وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَأْخِيرُهُ) أَيْ الْحَدِّ (فَ) هُوَ (هَدَرٌ) لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ شَرْعًا وَلِأَنَّ الْإِمَامَ نَائِبٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ فَكَانَ التَّلَفُ مَنْسُوبًا إلَى اللَّهِ فَإِنْ لَزِمَ تَأْخِيرُ الْحَدِّ بِأَنْ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ كَانَ مَرِيضًا وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَاسْتَوْفَاهُ إذَنْ فَتَلِفَ الْمَحْدُودُ ضَمِنَهُ لِعُدْوَانِهِ. (وَمَنْ زَادَ) فِي عَدَدِ جَلْدٍ (وَلَوْ) كَانَ الزَّائِدُ (جَلْدَةً أَوْ) زَادَ (فِي السَّوْطِ) الَّذِي ضَرَبَ بِهِ (أَوْ اعْتَمَدَ فِي ضَرْبِهِ) فَتَلِفَ الْمَحْدُودُ ضَمِنَهُ بِدِيَتِهِ (أَوْ) ضَرَبَهُ (بِسَوْطٍ لَا يَحْتَمِلُهُ) الْمَضْرُوبُ (فَتَلِفَ ضَمِنَهُ) الضَّارِبُ (بِدِيَتِهِ) كَامِلَةً لِحُصُولِ تَلَفِهِ بِعُدْوَانِهِ وَكَمَا لَوْ أَلْقَى حَجَرًا وَنَحْوَهُ عَلَى سَفِينَةٍ مَوْقُورَةٍ فَخَرَقَهَا. (وَمَنْ أُمِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِزِيَادَةٍ عَلَى الْجَلْدِ) الْوَاجِبِ فِي الْجَلْدِ (فَزَادَ جَهْلًا) بِعَدَدِ الضَّرْبِ الْوَاجِبِ فَمَاتَ الْمَضْرُوبُ (ضَمِنَهُ آمِرٌ) لِأَنَّ الْجَلَّادَ مَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ (وَإِلَّا) يَجْهَلْ الْجَلَّادُ ذَلِكَ (فَضَارِبٌ) يَضْمَنُهُ وَحْدَهُ كَمَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِالْقَتْلِ ظُلْمًا فَقَتَلَ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ. (وَإِنْ تَعَمَّدَهُ) أَيْ الزَّائِدَ (الْعَادُّ فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْآمِرِ وَالضَّارِبِ ضَمِنَهُ الْعَادُّ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِسَبَبِ تَعَمُّدٍ (أَوْ أَخْطَأَ) الْعَادُّ (وَادَّعَى ضَارِبٌ الْجَهْلَ) بِالزِّيَادَةِ (ضَمِنَهُ الْعَادُّ) لِحُصُولِ التَّلَفِ بِسَبَبِهِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ ضَارِبٍ فِي الْجَهْلِ بِذَلِكَ لِيَمِينِهِ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ. (وَتَعَمُّدُ إمَامٍ لِزِيَادَةِ شِبْهِ عَمْدٍ تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ) كَمَا لَوْ رَمَى صَيْدًا فَبَانَ آدَمِيًّا. (وَلَا يُحْفَرُ لِرَجْمٍ وَلَوْ) كَانَ الرَّجْمُ (لِأُنْثَى وَ) لَوْ (ثَبَتَ) الزِّنَا عَلَيْهَا (بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحْفِرْ لِلْجُهَيْنِيَّةِ وَلَا لِلْيَهُودِيَّيْنِ وَتُشَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ ثِيَابُهَا لِئَلَّا تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهَا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ {فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا}. (وَيَجِبُ فِي) إقَامَةِ (حَدِّ زِنًا حُضُورُ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ) أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمَا صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ (وَ) يَجِبُ فِي حَدِّ زِنًا حُضُورُ (طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَلَوْ وَاحِدًا) أَيْ: مَعَ مَنْ يُقِيمُ الْحَدَّ. نَقَلَهُ فِي الْكَافِي عَنْ الْأَصْحَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} (وَسُنَّ حُضُورُ مَنْ شَهِدَ) بِزِنًا (أَوْ) سُنَّ (بُدَاءَتُهُمْ) أَيْ الشُّهُودِ (بِرَجْمٍ فَلَوْ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ سُنَّ بُدَاءَةُ إمَامِ مَنْ يُقِيمُهُ) إمَامٌ مَقَامَهُ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَلِيٍّ ": الرَّجْمُ رَجَمَانِ فَمَا كَانَ مِنْهُ بِإِقْرَارٍ فَأَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الْإِمَامُ، وَمَا كَانَ بِبَيِّنَةٍ فَأَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الْبَيِّنَةُ ثُمَّ النَّاسُ " وَلِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ أَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَدُورَ النَّاسُ حَوْلَ الْمَرْجُومِ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ لَا بِإِقْرَارٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَهْرَبَ فَيُتْرَكَ. (وَمَتَى رَجَعَ مُقِرٌّ) أَيْ بِزِنًا عَنْ إقْرَارٍ لَمْ يَقُمْ (أَوْ) رَجَعَ مُقِرٌّ (بِسَرِقَةٍ أَوْ) بِشُرْبِ خَمْرٍ عَنْ إقْرَارِهِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ (وَلَوْ بَعْدَ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِهِ) بِالزِّنَا أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ الشُّرْبِ (لَمْ يَقُمْ) عَلَيْهِ (وَإِنْ رَجَعَ فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الْحَدِّ (أَوْ هَرَبَ تُرِكَ) لِأَنَّ {مَاعِزًا هَرَبَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ}. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَمَعْمَرِ بْنِ هَزَّالٍ وَغَيْرِهِمْ. وَلِأَنَّ رُجُوعَهُ شُبْهَةٌ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَكَمَا لَوْ رَجَعَتْ الْبَيِّنَةُ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَفَارَقَ سَائِرَ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. (فَإِنْ تُمِّمَ) حَدٌّ عَلَى رَاجِعٍ عَنْ إقْرَارِهِ (فَلَا قَوَدَ) فِيهِ لِلشُّبْهَةِ (وَضَمِنَ رَاجِعٌ) صَرِيحًا (لَا هَارِبَ بِالدِّيَةِ) لِزَوَالِ إقْرَارِهِ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْهَارِبِ وَمِثْلُهُ مَنْ طَلَبَ أَنْ يُرَدَّ لِلْحَاكِمِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي رُجُوعِهِ. (وَإِنْ ثَبَتَ) زِنًا أَوْ سَرِقَةٌ أَوْ شُرْبٌ (بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْفِعْلِ) أَيْ فِعْلِ مَا ذَكَرَ لَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ (فَهَرَبَ) مَحْدُودٌ (لَمْ يُتْرَكْ) لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِرُجُوعِهِ وَلَا هَرَبِهِ إذَنْ. (وَمَنْ أَتَى) مَا يُوجِبُ (حَدًّا سَتَرَ نَفْسَهُ) اسْتِحْبَابًا (لَمْ يَجِبْ وَلَمْ يُسَنَّ أَنْ يُقِرَّ بِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ) لِحَدِيثِ {إنَّ اللَّهَ سِتِّيرٌ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ السِّتِّيرَ}. (وَمَنْ قَالَ الْحَاكِمُ أَصَبْت حَدًّا) فَقَطْ (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) مَا لَمْ يُبَيِّنْهُ نَصًّا وَيُحَدُّ مَنْ زَنَى هَزِيلًا وَلَوْ بَعْدَ سِمَنِهِ وَكَذَا عُقُوبَةُ الْآخِرَةِ كَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ زَنَى أُعِيدَتْ بَعْدَ بَعْثِهِ وَعُوقِبَ. ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ (وَالْحَدُّ كَفَّارَةٌ لِذَلِكَ الذَّنْبِ) الَّذِي أَوْجَبَهُ نَصًّا لِلْخَبَرِ.
وَإِنْ اجْتَمَعَتْ حُدُودٌ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (بِأَنْ زَنَى) مِرَارًا (أَوْ سَرَقَ) مِرَارًا (أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ مِرَارًا تَدَاخَلَتْ فَلَا يُحَدُّ سِوَى مَرَّةٍ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ كُلِّ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الزَّجْرُ عَنْ إتْيَانِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِحَدٍّ وَاحِدٍ وَكَالْكَفَّارَاتِ مِنْ جِنْسٍ. (وَ) إنْ اجْتَمَعَتْ حُدُودٌ لِلَّهِ تَعَالَى (مِنْ أَجْنَاسٍ) كَأَنْ زَنَى وَسَرَقَ وَشَرِبَ الْخَمْرَ (وَفِيهَا قَتْلٌ) بِأَنْ كَانَ فِي الْمِثَالِ مُحْصَنًا (اسْتَوْفَى) الْقَتْلَ (وَحْدَهُ) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ " إذَا اجْتَمَعَ حَدَّانِ أَحَدُهُمَا الْقَتْلُ أَحَاطَ الْقَتْلُ بِذَلِكَ " رَوَاهُ سَعِيدٌ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكَالْمُحَارِبِ إذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ الزَّجْرُ وَمَعَ الْقَتْلِ لَا حَاجَةَ لَهُ، وَإِنْ اجْتَمَعَ مَا يُوجِبُ الْقَتْلَ لِلْمُحَارَبَةِ وَلِلرِّدَّةِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ لِلْمُحَارَبَةِ وَيَسْقُطَ غَيْرُهُ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ آدَمِيٍّ فِي الْقِصَاصِ، وَالْمُحَارَبَةِ إنَّمَا أَثَّرَتْ بِتَحَتُّمِهِ وَحَقُّ الْآدَمِيِّ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ (وَإِلَّا) يَكُنْ فِيهَا قَتْلٌ وَهِيَ مِنْ أَجْنَاسٍ كَبِكْرٍ زَنَى وَشَرِبَ وَسَرَقَ (وَجَبَ أَنْ يُبْدَأَ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ)، فَيُحَدُّ أَوَّلًا لِشُرْبٍ ثُمَّ لِزِنًى ثُمَّ لِقَطْعٍ. (وَتُسْتَوْفَى حُقُوقُ آدَمِيٍّ كُلُّهَا) فِيهَا قَتْلٌ أَوْ لَا كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَلِأَنَّ مَا دُونَ الْقَتْلِ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا يَسْقُطُ بِالْقَتْلِ كَالدُّيُونِ بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ (وَيُبْدَأُ بِغَيْرِ قَتْلٍ الْأَخَفُّ فَالْأَخَفُّ وُجُوبًا) فَمَنْ قَذَفَ وَقَطَعَ عُضْوًا وَقَتَلَ مُكَافِئًا، حُدَّ أَوَّلًا لِقَذْفٍ ثُمَّ قَطْعٍ ثُمَّ قَتْلٍ (وَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَتْ) حُقُوقُ آدَمِيٍّ (مَعَ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى) فَتُسْتَوْفَى كُلُّهَا (وَيُبْدَأُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ فَلَوْ زَنَى وَشَرِبَ) مُسْكِرًا (وَقَذَفَ وَقَطَعَ يَدًا قُطِعَ) أَيْ: قُطِعَتْ يَدُهُ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ آدَمِيٍّ لِسُقُوطِهِ بِإِسْقَاطِهِ (ثُمَّ حُدَّ الْقَذْفَ) لِلِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهِ حَقَّ الْآدَمِيِّ (ثُمَّ لِشُرْبٍ ثُمَّ لِزِنًا لَكِنْ لَوْ قَتَلَ) مُكَافِئًا عَمْدًا (وَارْتَدَّ أَوْ سَرَقَ) مَا يُوجِبُ الْقَطْعَ (وَقَطَعَ يَدًا قُتِلَ) لَهُمَا (أَوْ قُطِعَ لَهُمَا) لِاتِّحَادِ مَحَلِّ الْحَقَّيْنِ فَتَدَاخَلَا (وَلَا يُسْتَوْفَى حَدٌّ حَتَّى يَبْرَأَ مَا قَبْلَهُ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ تَوَالِي الْحُدُودِ عَلَيْهِ إلَى تَلَفِهِ.
وَمَنْ قَتَلَ أَوْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ حَرَمِ مَكَّةَ لَا الْمَدِينَةِ (ثُمَّ لَجَأَ) إلَيْهِ (أَوْ) لَجَأَ (حَرْبِيٌّ أَوْ) لَجَأَ (مُرْتَدٌّ إلَيْهِ حَرُمَ أَنْ يُؤْخَذَ حَتَّى بِدُونِ قَتْلٍ فِيهِ) أَيْ: الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} وَهُوَ خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ أَيْ: أَمِّنُوهُ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرُمَ سَفْكُ الدَّمِ بِمَكَّةَ. وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَقُولُوا إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ} وَقَوْلِهِ {إنَّ أَعْدَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ} رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ " لَوْ وَجَدْت قَاتِلَ عُمَرَ فِي الْحَرَمِ مَا هَجَمْته " رَوَاهُ أَحْمَدُ (لَكِنْ لَا يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى وَلَا يُكَلَّمُ) زَادَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا يُؤَاكَلُ وَلَا يُشَارَبُ (حَتَّى يَخْرُجَ) مِنْهُ (فَيُقَامَ عَلَيْهِ) لِئَلَّا يَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِقَامَةِ دَائِمًا فَيَضِيعَ الْحَقُّ عَلَيْهِ (وَمَنْ فَعَلَهُ) أَيْ قَتَلَ أَوْ أَتَى حَدًّا (فِيهِ) أَيْ الْحَرَمِ (أُخِذَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِهِ) أَيْ: بِمَا فَعَلَهُ (فِيهِ) أَيْ: الْحَرَمِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ مَا أَحْدَثَ مِنْ شَيْءٍ " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. (وَمَنْ قُوتِلَ فِيهِ) أَيْ الْحَرَمِ (دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ، فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} وَلِأَنَّ أَهْلَ الْحَرَمِ مُحْتَاجُونَ إلَى الزَّجْرِ عَنْ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي كَغَيْرِهِمْ حِفْظًا لِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَلِهَتْكِ الْجَانِي وَنَحْوِهِ فِي الْحَرَمِ حُرْمَتَهُ فَلَا يَنْتَهِرُ لِتَحْرِيمِ دَمِهِ وَصِيَانَتِهِ، كَالْجَانِي فِي دَارِ الْمُلْكِ لَا يُعْصَمُ لِحُرْمَةِ الْمُلْكِ وَنُسِخَ تَحْرِيمُ الْقِتَالِ فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ. (وَلَا تَعْصِمُ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ وَالْجِنَايَاتِ) فَلَوْ أَتَى بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ دَخَلَ شَهْرٌ حَرَامٌ أُقِيمَ عَلَيْهِ مَا وَجَبَ قَبْلَهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ. (وَإِذَا أَتَى غَازٍ حَدًّا أَوْ) أَتَى (قَوَدًا) وَهُوَ (بِأَرْضِ الْعَدُوِّ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ) أَيْ: الْحَدِّ وَالْقَوَدِ (حَتَّى يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ) لِحَدِيثِ {بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ فِي الْغَزَاةِ قَدْ سَرَقَ بُخْتِيَّةً فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي الْغَزَاةِ لَقَطَعْتُك} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى النَّاسِ: أَنْ لَا يَجْلِدَنَّ أَمِيرُ الْجَيْشِ وَلَا سَرِيَّةٍ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَدًّا وَهُوَ غَازٍ حَتَّى يَقْطَعَ الدَّرْبَ قَافِلًا، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا تَلْحَقُهُ حَمِيَّةُ الشَّيْطَانِ فَيَلْحَقُ بِالْكُفَّارِ.
بِالْقَصْرِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ وَالْمَدِّ عِنْدَ تَمِيمٍ (وَهُوَ فِعْلُ الْفَاحِشَةِ فِي قُبُلٍ أَوْ) فِي (دُبُرٍ) وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} وَحَدِيثِ {اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ} وَكَانَ حَدُّ الزِّنَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ الْحَبْسَ لِلنِّسَاءِ وَالْأَذَى بِالْكَلَامِ لِلرِّجَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} الْآيَتَيْنِ. ثُمَّ نُسِخَ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا {خُذُوا عَنِّي. قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَأَجَازَ أَصْحَابُنَا نَسْخَ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ قَالَ لَيْسَ هَذَا نَسْخًا وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ لِلْقُرْآنِ وَتَبْيِينٌ لَهُ لِأَنَّ مَا كَانَ مَشْرُوطًا بِشَرْطٍ وَزَالَ الشَّرْطُ لَا يَكُونُ نَسْخًا، وَهَاهُنَا شَرَطَ اللَّهُ لِحَبْسِهِنَّ إلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُنَّ سَبِيلًا فَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ السَّبِيلَ. (إذَا زَنَى) مُكَلَّفٌ (مُحْصَنٌ وَجَبَ رَجْمُهُ) بِحِجَارَةٍ مُتَوَسِّطَةٍ كَالْكَفِّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُثْخَنَ بِصَخْرَةٍ كَبِيرَةٍ وَلَا أَنْ يَطُولَ عَلَيْهِ بِحَصَاةٍ خَفِيفَةٍ وَيَتَّقِي الْوَجْهَ (حَتَّى يَمُوتَ) لِحَدِيثِ عُمَرَ قَالَ: {إنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْتهَا وَعَقَلْتهَا وَوَعَيْتهَا. رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ يَقُولُ قَاتِلٌ: مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَضِلَّ بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَالرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ وَقَدْ قَرَأْتُهَا: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَا يُجْلَدُ) مُحْصَنٌ (قَبْلَهُ) أَيْ الرَّجْمِ. قَالَ الْأَثْرَمُ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ: إنَّهُ أَوَّلُ حَدٍّ نَزَلَ وَأَنَّ حَدِيثَ مَاعِزٍ بَعْدَهُ رَجَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْلِدْهُ وَعُمَرُ رَجَمَ وَلَمْ يَجْلِدْ (وَلَا يُنْفَى) الْمُحْصَنُ إذَا زَنَا بَلْ يُرْجَمُ لِمَا تَقَدَّمَ (وَالْمُحْصَنُ مَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ) لَا سُرِّيَّتَهُ (بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) لَا بَاطِلٍ وَلَا فَاسِدٍ (وَلَوْ كِتَابِيَّةً فِي قُبُلِهَا وَلَوْ فِي حَيْضٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ إحْرَامٍ وَنَحْوِهِ) وَكَفِي نِفَاسٌ أَوْ مَسْجِدٌ أَوْ مَعَ ضِيقِ وَقْتِ فَرِيضَةٍ (وَهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (مُكَلَّفَانِ حُرَّانِ وَلَوْ مُسْتَأْمَنَيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ) فَلَا إحْصَانَ مَعَ صِغَرِ أَحَدِهِمَا أَوْ جُنُونِهِ أَوْ رِقِّهِ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا إحْصَانَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا بِالْخَلْوَةِ، وَلَا الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ أَوْ مَا دُونَ الْفَرْجِ، وَلَا بِوَطْءِ زِنًا أَوْ شُبْهَةٍ، وَلَا. يُشْتَرَطُ فِي الْإِحْصَانِ الْإِسْلَامُ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ الزَّانِيَيْنِ فَرُجِمَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَيُفَارِقُ الْإِحْصَانُ الْإِحْلَالَ حَيْثُ تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا بِوَطْءِ زَوْجٍ وَلَوْ رَقِيقًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ أَوْ مَجْنُونًا لِأَنَّ الْإِحْصَانَ اُعْتُبِرَ لِكَمَالِ النِّعْمَةِ فَمَنْ كَمُلَتْ النِّعْمَةُ فِي حَقِّهِ فَجِنَايَتُهُ أَفْحَشُ وَأَحَقُّ بِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ وَالنِّعْمَةِ فِي حَقِّ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ أَكْمَلَ بِخِلَافِ الْإِحْلَالِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ الْمُطَلِّقِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُقُوبَةً لَهُ بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ مِمَّا تَأْبَاهُ الطِّبَاعُ وَيَشُقُّ عَلَى النُّفُوسِ وَلَا يُرْجَمُ الْمُسْتَأْمَنُ إذَا زَنَى لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِحُكْمِنَا خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِهِ هُنَا بَلْ يَكُونُ مُحْصَنًا فَإِذَا زَنَى مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا اُكْتُفِيَ فِي إحْصَانِهِ بِالنِّكَاحِ فِي أَمَانِهِ السَّابِقِ (وَلَا يَسْقُطُ) إحْصَانُ مَنْ أَحْصَنَ كَافِرًا (بِإِسْلَامٍ) نَصًّا (وَتَصِيرُ هِيَ) أَيْ: الزَّوْجَةُ (أَيْضًا مُحْصَنَةً) حَيْثُ كَانَ بِالصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ حَالَ الْوَطْءِ (وَلَا إحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ: الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ (مَعَ فَقْدِ شَيْء مِمَّا ذُكِرَ) مِنْ الْقُيُودِ السَّابِقَةِ (وَيَثْبُتُ) إحْصَانُهُ (بِقَوْلِهِ) أَيْ: الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ (وَطِئْتهَا أَوْ جَامَعْتُهَا أَوْ دَخَلْت بِهَا) لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ الْوَطْءُ وَكَذَا بَاضَعْتُهَا بِخِلَافِ أَصَبْتُهَا أَوْ بَاشَرْتهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ إحْصَانٌ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا دُونَ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ كَثِيرًا. ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ هِيَ شَيْئًا مِمَّا سَبَقَ (وَلَا) يَثْبُتُ إحْصَانٌ (بِوَلَدِهِ مِنْهَا) أَيْ امْرَأَتِهِ (مَعَ إنْكَارِ وَطْئِهَا) أَيْ امْرَأَتِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِإِمْكَانِ الْوَطْءِ، وَالْإِحْصَانَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ وَكَذَا لَوْ كَانَ. لِامْرَأَتِهِ وَلَدٌ مِنْ زَوْجِهَا فَأَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ وَطِئَهَا لَمْ يَثْبُتْ إحْصَانُهَا كَذَلِكَ، وَإِذَا جُلِدَ زَانٍ عَلَى أَنَّهُ بِكْرٌ فَبَانَ مُحْصَنًا رُجِمَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ {أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَدَهُ الْحَدَّ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ فَرُجِمَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِتَبَيُّنِ أَنَّهُ لَمْ يُحَدَّ الْحَدَّ الْوَاجِبَ وَيُكَفَّنُ الْمَحْدُودُ بِالرَّجْمِ وَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا. قَالَ أَحْمَدُ سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ شُرَاحَةَ وَكَانَ رَجَمَهَا فَقَالَ: اصْنَعُوا بِهَا مَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ وَصَلَّى عَلِيٌّ عَلَيْهَا. وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الْجُهَيْنِيَّةِ " فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَتْ وَصَلَّى عَلَيْهَا " وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (وَإِنْ زَنَى حُرٌّ غَيْرُ مُحْصَنٍ جُلِدَ مِائَةً) بِلَا خِلَافٍ لِلْخَبَرِ (وَغُرِّبَ) إلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ لَا هُوَ (عَامًا وَلَوْ أُنْثَى) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَلِأَنَّهُ تَرَتَّبَ عَلَى الزَّانِي فَوَجَبَ عَلَى الْكَافِرِ كَالْقَوَدِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ} وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ"، وَيَكُونُ تَغْرِيبُ أُنْثَى (بِمَحْرَمٍ بَاذِلٍ) نَفْسَهُ مَعَهَا (وُجُوبًا) لِعُمُومِ نَهْيِهَا عَنْ السَّفَرِ بِلَا مَحْرَمٍ (وَعَلَيْهَا أُجْرَتُهُ) أَيْ: الْمَحْرَمِ لِصَرْفِهِ نَفْعَهُ فِي أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا (فَإِنْ تَعَذَّرَتْ) أُجْرَتُهُ (مِنْهَا) أَيْ: لِعَدَمٍ أَوْ امْتِنَاعٍ (فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ (فَإِنْ أَبَى) الْمَحْرَمُ السَّفَرَ مَعَهَا (أَوْ تَعَذَّرَ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ (فَوَحْدَهَا) تُغَرَّبُ (إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ) لِلْحَاجَةِ كَسَفَرِ الْهِجْرَةِ وَكَالْحَجِّ إذَا مَاتَ الْمَحْرَمُ فِي الطَّرِيقِ (وَيُغَرَّبُ غَرِيبٌ) زَنَى. (وَ) يُغَرَّبُ (مُغَرَّبٌ) زَنَى زَمَنَ غُرْبَتِهِ (إلَى غَيْرٍ وَطَنِهِمَا) لِأَنَّ عَوْدَهُ إلَى وَطَنِهِ لَيْسَ تَغْرِيبًا وَتَدْخُلُ بَقِيَّةُ التَّغْرِيبِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي وَإِنْ عَادَ إلَى وَطَنِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ مُنِعَ. (وَإِنْ زَنَى قِنٌّ جُلِدَ خَمْسِينَ) جَلْدَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ}، وَالْعَذَابُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ مِائَةُ جَلْدَةٍ، فَيَنْصَرِفُ التَّنْصِيفُ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَالرَّجْمُ لَا يَتَأَتَّى تَنْصِيفُهُ (وَلَا يُغَرَّبُ) قِنٌّ زَنَى؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ لِسَيِّدِهِ دُونَهُ إذْ الْعَبْدُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي تَغْرِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ غَرِيبٌ فِي مَوْضِعِهِ وَيَتَرَفَّهُ فِيهِ بِتَرْكِ الْخِدْمَةِ وَيَتَضَرَّرُ سَيِّدُهُ بِذَلِكَ. (وَلَا يُعَيَّرُ) زَانٍ بَعْدُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَلْيَحُدَّهَا وَلَا يُثَرِّبْ} يُقَالُ: ثَرَبَهُ أَثْرَبَهُ وَعَلَيْهِ: لَامَهُ وَعَيَّرَهُ بِذَنْبِهِ، ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ. (وَيُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ مُبَعَّضٌ) زَنَى (بِحِسَابِهِ) فَالْمُتَنَصَّفُ يُجْلَدُ خَمْسًا وَسَبْعِينَ جَلْدَةً وَيُغَرَّبُ نِصْفَ عَامٍ نَصًّا، وَيُحْسَبُ زَمَنُ التَّغْرِيبِ عَلَيْهِ مِنْ نَصِيبِهِ الْحُرِّ وَمَنْ ثُلُثُهُ حُرٌّ لَزِمَهُ ثُلُثَا حَدِّ الْحُرِّ سِتٌّ وَسِتُّونَ جَلْدَةً، وَيَسْقُطُ الْكَسْرُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ مَتَى دَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالْإِسْقَاطِ سَقَطَ وَيُغَرَّبُ ثُلُثَ عَامٍ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَالْقِنِّ فِي الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ كُلَّهُ. (وَإِنْ زَنَى مُحْصَنٌ بِبِكْرٍ) أَوْ عَكْسُهُ (فَلِكُلٍّ) مِنْ الْمُحْصَنِ وَالْبِكْرِ (حَدُّهُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فِي {رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ابْنُ أَحَدِهِمَا عَسِيفًا عِنْدَ الْآخَرِ فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ يَأْتِي امْرَأَةَ الْآخَرِ، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَزَانٍ بِذَاتِ مَحْرَمٍ) كَأُخْتِهِ (كَ) زَانٍ (بِغَيْرِهَا) عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ. (وَلَوْ وَطِئَ فَاعِلٌ مَفْعُولًا بِهِ كَزَانٍ) فَمَنْ كَانَ مِنْهُمَا مُحْصَنًا رُجِمَ، وَغَيْرُ الْمُحْصَنِ الْحُرُّ يُجْلَدُ مِائَةً وَيُغَرَّبُ عَامًا، وَالرَّقِيقُ يُجْلَدُ خَمْسِينَ وَالْمُبَعَّضُ بِحِسَابِهِ، لِحَدِيثِ {إذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ،} وَلِأَنَّهُ فَرْجٌ مَقْصُودٌ بِالِاسْتِمْتَاعِ أَشْبَهَ فَرْجَ الْمَرْأَةِ (وَمَمْلُوكِهِ) إذَا لَاطَ بِهِ (كَأَجْنَبِيٍّ) لِأَنَّ الذَّكَرَ لَيْسَ مَحَلَّ الْوَطْءِ فَلَا يُؤَثِّرُ مِلْكُهُ لَهُ. (وَدُبُرُ أَجْنَبِيَّةٍ) أَيْ: غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَسُرِّيَّتِهِ (كَلِوَاطٍ). وَيُعَزَّرُ مَنْ أَتَى زَوْجَتَهُ أَوْ سُرِّيَّتَهُ فِي دُبُرِهَا. (وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً) وَلَوْ سَمَكَةً (عُزِّرَ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ يَصِحُّ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى فَرْجِ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَالنُّفُوسُ تَعَافُهُ (وَقُتِلَتْ) الْبَهِيمَةُ الْمَأْتِيَّةُ مَأْكُولَةً كَانَتْ أَوْ لَا لِئَلَّا يُعَيَّرَ بِهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا {مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ " (لَكِنْ) لَا تُقْتَل إلَّا (بِالشَّهَادَةِ عَلَى فِعْلِهِ بِهَا) إنْ لَمْ تَكُنْ مِلْكَهُ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ (وَيَكْفِي إقْرَارُهُ إنْ مَلَكَهَا) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ (وَيَحْرُمُ أَكْلُهَا) أَيْ: الْمَأْتِيَّةِ، وَلَوْ مَأْكُولَةً، لِأَنَّهَا حَيَوَانٌ وَجَبَ قَتْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَشْبَهَ سَائِرَ الْمَقْتُولَاتِ (فَيَضْمَنُهَا) الْآتِي لَهَا بِقِيمَتِهَا لِإِتْلَافِهَا بِسَبَبِهِ، كَمَا لَوْ جَرَحَهَا فَمَاتَتْ، وَوُجُوبِ قَتْلِهَا.
وَشُرُوطُهُ أَيْ حَدِّ الزِّنَا (ثَلَاثَةٌ): أَحَدُهَا: (تَغْيِيبِ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ وَلَوْ مِنْ خَصِيٍّ أَوْ) تَغْيِيبِ (قَدْرِهَا) أَيْ: الْحَشَفَةِ (لِعَدَمِهَا فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ مِنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ وَلَوْ دُبُرًا) لِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ {أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنِّي وَجَدْت امْرَأَةً فِي الْبُسْتَانِ فَأَصَبْت مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَنْكِحْهَا فَافْعَلْ بِي مَا شِئْت فَقَرَأَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزَلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فَلَا حَدَّ بِتَغْيِيبِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ، وَلَا بِتَغْيِيبِ ذَكَرِ خُنْثَى مُشْكِلٍ، وَلَا بِتَغْيِيبٍ فِي فَرْجِهِ، وَلَا بِالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ، وَلَا بِإِتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ، وَيُعَزَّرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَأَمَّا الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَدْ جَاءَ تَائِبًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ حَالِهِ، عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ تَرْكَ التَّعْزِيرِ إذَا رَآهُ كَمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. الشَّرْطُ (الثَّانِي: انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ) لِحَدِيثِ {ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (فَلَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ) أَوْ سُرِّيَّتَهُ (فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ دُبُرِ) هَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ مِلْكًا (أَوْ) وَطِئَ (أَمَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ) أَبَدًا (بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ أُمِّ زَوْجَتِهِ (أَوْ) وَطِئَ أَمَتَهُ (الْمُزَوَّجَةَ أَوْ) أَمَتَهُ (الْمُعْتَدَّةَ أَوْ) أَمَتَهُ (الْمُرْتَدَّةَ أَوْ) أَمَتَهُ (الْمَجُوسِيَّةَ أَوْ) وَطِئَ (أَمَةً لَهُ) فِيهَا شِرْكٌ (أَوْ لِوَلَدِهِ) فِيهَا شِرْكُ (أَوْ لِمُكَاتَبِهِ) فِيهَا شِرْكٌ (أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ فِيهَا شِرْكٌ) فَلَا حَدَّ لِشُبْهَةِ مِلْكِ الْوَاطِئِ أَوْ وَلَدِهِ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي مِلْكِ وَلَدِهِ لِحَدِيثِ {أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك}، وَلِشُبْهَةِ مِلْكِ مُكَاتِبِ الْوَاطِئِ وَكَذَا إنْ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ فِيهَا شِرْكٌ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فِيهِ حَقًّا (أَوْ) وَطِئَ (فِي نِكَاحٍ) مُخْتَلَفٍ فِيهِ (أَوْ) فِ {(مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ كَ) نِكَاحِ (مُتْعَةٍ أَوْ) نِكَاحٍ (بِلَا وَلِيٍّ أَوْ) فِي مِلْكٍ بِ (شِرَاءٍ فَاسِدٍ بَعْدَ قَبْضِهِ) أَيْ: الْمَبِيعَ، لِأَنَّ الْبَائِعَ بِإِقْبَاضِهِ الْأَمَةَ كَأَنَّهُ أَذِنَهُ فِي فِعْلِ مَا يَمْلِكُهُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَمِنْهُ الْوَطْءُ. فَإِنْ وَطِئَ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ قَبْلَ الْقَبْضِ حُدَّ، وَقِيلَ لَا (أَوْ) وَطِئَ فِي مِلْكٍ (بِعَقْدِ فُضُولِيٍّ وَلَوْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ) فَلَا حَدَّ (أَوْ) وَطِئَ (امْرَأَةً) وَجَدَهَا (عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ فِي مَنْزِلِهِ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ) لَهُ فِيهَا شِرْكٌ (أَوْ لِوَلَدِهِ فِيهَا شِرْكٌ) فَلَا حَدَّ، أَوْ دَعَا ضَرِيرٌ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فَأَجَابَتْهُ غَيْرُهَا فَوَطِئَهَا، فَلَا حَدَّ لِاعْتِقَادِهِ إبَاحَةَ الْوَطْءِ بِمَا يُعْذَرُ فِيهِ مِثْلُهُ أَشْبَهَ مَنْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ غَيْرَ امْرَأَتِهِ (أَوْ جَهِلَ) زَانٍ (تَحْرِيمَهُ) أَيْ الزِّنَا (لِقُرْبِ إسْلَامِهِ أَوْ. نَشْأَتِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ) عَنْ الْقُرَى (أَوْ) جَهِلَ (تَحْرِيمَ نِكَاحٍ بَاطِلٍ إجْمَاعًا وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ) فَلَا حَدَّ. وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَنْ؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَبِلَ قَوْلَ مُدَّعِي الْجَهْلِ بِتَحْرِيمِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَادَّعَى جَهْلَ تَحْرِيمِ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ هُوَ كَذَلِكَ (أَوْ ادَّعَى) وَاطِئُ امْرَأَةٍ (أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَأَنْكَرَتْ) زَوْجِيَّتَهُ (فَلَا حَدَّ) لِأَنَّ دَعْوَاهُ ذَلِكَ شُبْهَةٌ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ. وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا وَجَدْتُمْ لَهُ مَدْفَعًا} وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا {ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ} وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ {إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْك الْحُدُودُ فَادْرَأْهَا مَا اسْتَطَعْت}. (ثُمَّ إنْ أَقَرَّتْ) مَوْطُوءَةٌ (أَرْبَعًا) أَيْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ (بِأَنَّهُ زَنَى) بِهَا مُطَاوِعَةً عَالِمَةً بِتَحْرِيمٍ (حُدَّتْ) وَحْدَهَا وَلَا مَهْرَ نَصًّا؛ مُؤَاخَذَةً لَهَا بِإِقْرَارِهَا. (وَإِنْ وَطِئَ) مُكَلَّفٌ امْرَأَةً (فِي نِكَاحٍ بَاطِلٍ إجْمَاعًا مَعَ عِلْمِهِ) بُطْلَانَ النِّكَاحِ وَتَحْرِيمَ الْوَطْءِ (كَنِكَاحِ مُزَوَّجَةٍ أَوْ مُعْتَدَّةٍ) مِنْ غَيْرِ زِنًا (أَوْ خَامِسَةٍ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ) أَوْ مُصَاهَرَةٍ حُدَّ لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكًا وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ، وَرَوَى أَبُو نَصْرٍ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ رُفِعَ لَهُ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا فَقَالَ: هَلْ عَلِمْتُمَا؟ قَالَا: لَا فَقَالَ لَوْ عَلِمْتُمَا لَرَجَمْتُكُمَا ". (أَوْ زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمَنَةٍ أَوْ بِمَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِزِنًا أَوْ غَيْرِهِ) حُدَّ لِأَنَّ الْأَمَانَ وَالِاسْتِئْجَارَ لَا يُبِيحَانِ الْبُضْعَ (أَوْ) زَنَى مُكَلَّفٌ (بِمَنْ لَهُ عَلَيْهَا قَوَدٌ) حُدَّ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ كَمَنْ لَهُ عَلَيْهَا دَيْنٌ (أَوْ) زَنَى (بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ) زَنَى بِأَمَةٍ، ثُمَّ (مَلَكَهَا) حُدَّ لِوُجُوبِهِ بِوَطْئِهَا أَجْنَبِيَّةً فَلَا يَسْقُطُ بِتَغَيُّرِ حَالِهَا كَمَا لَوْ مَاتَتْ (أَوْ أَقَرَّ عَلَيْهَا) بِأَنْ قَالَ: زَنَيْت بِفُلَانَةَ وَهِيَ حَاضِرَةٌ (فَسَكَتَتْ) فَلَمْ تُصَدِّقْهُ وَلَمْ تُكَذِّبْهُ (أَوْ جَحَدَتْ أَوْ) زَنَا (بِمَجْنُونَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ يُوطَأُ مِثْلُهَا) كَبِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ حُدَّ، لِأَنَّ سَبَبَ السُّقُوطِ فِي الْمَوْطُوءَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْوَاطِئِ (أَوْ) وَطِئَ مُكَلَّفٌ (أَمَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ) عَلَيْهِ (بِنَسَبٍ) كَأُخْتِهِ لِعِتْقِهَا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ، فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا فَلَمْ تُوجَدْ الشُّبْهَةُ (أَوْ) زَنَى مُكَلَّفٌ (مُكْرَهًا) حُدَّ لِأَنَّ وَطْءَ الرَّجُلِ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ انْتِشَارٍ، وَالْإِكْرَاهُ يُنَافِيهِ فَإِذَا وُجِدَ الِانْتِشَارُ انْتَفَى الْإِكْرَاهُ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى غَيْرِ الزِّنَا فَزَنَا (أَوْ) زَنَى مُكَلَّفٌ (جَاهِلًا بِوُجُوبِ الْعُقُوبَةِ) عَلَى الزِّنَى مَعَ عِلْمِ تَحْرِيمِهِ (حُدَّ) لِقِصَّةِ مَاعِزٍ وَكَذَا لَوْ زَنَى سَكْرَانُ أَوْ أَقَرَّ بِهِ فِي سُكْرِهِ. (وَإِنْ مَكَّنَتْ مُكَلَّفَةٌ مِنْ نَفْسِهَا مَجْنُونًا أَوْ مُمَيِّزًا أَوْ مَنْ يَجْهَلُهُ) أَيْ تَحْرِيمَ الزِّنَا (أَوْ) مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا (حَرْبِيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا) فَوَطِئَهَا (أَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ) فِي قُبُلِهَا أَوْ دُبُرِهَا (حُدَّتْ) لِأَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ الْوَاطِئِ لَا يَكُونُ شُبْهَةً فِي سُقُوطِهِ عَنْهَا لِوُجُودِ الْمُسْقِطِ فِيهِ دُونَهَا. و(لَا) حَدَّ (إنْ أُكْرِهَتْ) مُكَلَّفَةٌ عَلَى الزِّنَا (أَوْ) أُكْرِهَ (مَلُوطٌ بِهِ) عَلَى اللِّوَاطِ (بِإِلْجَاءٍ) بِأَنْ غَلَبَهُمَا الْوَاطِئُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا (أَوْ) بِ (تَهْدِيدِ) بِنَحْوِ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ (أَوْ) بِ (مَنْعِ طَعَامٍ أَوْ) مَنْعِ (شَرَابٍ مَعَ اضْطِرَارٍ وَنَحْوِهِ فِيهِمَا) أَيْ: الزِّنَا وَاللِّوَاطِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً اسْتَقَتْ رَاعِيًا فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا إلَّا أَنْ تُمَكِّنَّهُ مِنْ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ لِعَلِيٍّ مَا تَرَى فِيهَا؟ قَالَ: إنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فَأَعْطَاهَا عُمَرُ شَيْئًا وَتَرَكَهَا. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ ثُبُوتُهُ) أَيْ الزِّنَا (وَلَهُ) أَيْ: الثُّبُوتِ (صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يُقِرَّ بِهِ مُكَلَّفٌ وَلَوْ) كَانَ (قِنًّا) أَوْ مُبَعَّضًا (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) لِحَدِيثِ {مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ اعْتَرَفَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ وَرَدَّهُ فَقِيلَ لَهُ إنَّك إنْ اعْتَرَفَتْ عِنْدَهُ الرَّابِعَةَ رَجَمَك فَاعْتَرَفَ الرَّابِعَةَ فَحَبَسَهُ ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا لَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ} رَوَى مِنْ طُرُقٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَبُرَيْدَةَ وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ (حَتَّى وَلَوْ) كَانَ الِاعْتِرَافُ أَرْبَعًا (فِي مَجَالِسَ) لِأَنَّ مَاعِزًا أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. وَالْغَامِدِيَّةُ أَقَرَّتْ عِنْدَهُ بِذَلِكَ فِي مَجَالِسَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ (وَيُعْتَبَرُ أَنْ يُصَرِّحَ) مُقِرٌّ (بِذِكْرِ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ {لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت أَوْ نَظَرْت، قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَنَكَحْتهَا لَا تُكَنِّي، قَالَ: نَعَمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ {قَالَ لِلْأَسْلَمِيِّ أَنَكَحْتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَمَا تُغَيِّبُ الْمِرْوَدَ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرِّشَاءَ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا؟ قَالَ: نَعَمْ أَتَيْت مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ حَلَالًا قَالَ فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا الْقَوْلِ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي، قَالَ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ فَلَا تَكْفِي فِيهِ الْكِنَايَةُ. (وَلَا) يُعْتَبَرُ أَنْ يُصَرِّحَ (بِمَزْنِيٍّ بِهَا) فَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ فَكَذَّبَتْهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا (وَ) يُعْتَبَرُ (أَنْ لَا يَرْجِعَ) مُقِرٌّ بِزِنًا (حَتَّى يَتِمَّ الْحَدُّ) فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ أَوْ هَرَبَ تُرِكَ وَتَقَدَّمَ. (وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ) أَيْ الزِّنَا (أَرْبَعًا فَأَنْكَرَ) إقْرَارَهُ بِهِ (أَوْ صَدَّقَهُمْ دُونَ أَرْبَعِ) مَرَّاتٍ (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِرُجُوعِهِ (وَلَا) حَدَّ (عَلَى مَنْ شَهِدَ) عَلَيْهِ بِالزِّنَا لِكَمَالِهِمْ فِي النِّصَابِ. الصُّورَةُ (الثَّانِيَةُ) لِثُبُوتِ الزِّنَا (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ) أَيْ الزَّانِي (فِي مَجْلِسٍ) وَاحِدٍ (أَرْبَعَةُ رِجَالٍ عُدُولٍ وَلَوْ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ) وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ (أَوْ صَدَّقَهُمْ) زَانٍ (بِزِنًا وَاحِدٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَشْهَدُ (وَ يَصِفُونَهُ) أَيْ: الزِّنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ...} الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} فَيَجُوزُ لَهُمْ النَّظَرُ إلَيْهِمَا حَالَ الْجِمَاعِ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا وَاعْتُبِرَ كَوْنُهُمْ رِجَالًا لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ اسْمٌ لِعَدَدِ الذُّكُورِ وَلِأَنَّ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ شُبْهَةً لِتَطَرُّقِ الِاحْتِمَالِ إلَيْهِنَّ وَعُدُولًا كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ وَكَوْنِهَا فِي مَجْلِسٍ لِأَنَّ عُمَرَ حَدَّ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالزِّنَا لَمَّا تَخَلَّفَ الرَّابِعُ، وَلَوْلَا اعْتِبَارُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ لَمْ يَحُدَّهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُكَمَّلُوا بِرَابِعٍ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، وَمَعْنَى وَصْفِهِمْ لِلزِّنَا أَنْ يَقُولُوا رَأَيْنَا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ أَوْ الرِّشَاءِ فِي الْبِئْرِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِقْرَارِ، بَلْ الشَّهَادَةُ أَوْلَى وَيَكْفِي أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا، وَالتَّشْبِيهُ تَأْكِيدٌ (فَإِنْ شَهِدُوا فِي مَجْلِسَيْنِ فَأَكْثَرَ) مِنْ مَجْلِسَيْنِ بِأَنْ شَهِدَ الْبَعْضُ وَلَمْ يَشْهَدْ الْبَاقِي حَتَّى قَامَ الْحَاكِمُ مِنْ مَجْلِسِهِ حُدَّ الْجَمِيعُ لِلْقَذْفِ، لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُ الْمَجْلِسِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْآيَةِ، لِأَنَّ الْعَدَالَةَ أَيْضًا وَوَصْفَ الزِّنَا لَمْ يُذْكَرَا فِيهَا، مَعَ اعْتِبَارِهِمَا لِدَلِيلٍ آخَرَ. (أَوْ) شَهِدَ بَعْضٌ بِالزِّنَا و(امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ) مِنْ الشَّهَادَةِ (أَوْ لَمْ يُكْمِلْهَا) أَيْ: الشَّهَادَةَ بَعْضُهُمْ حُدَّ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ لِلْقَذْفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}. وَجَلَدَ عُمَرُ وَأَبُو بَكْرٍ وَصَاحِبَاهُ حِينَ لَمْ يُكْمِلْ الرَّابِعُ شَهَادَتَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ (أَوْ كَانُوا) أَيْ الشُّهُودُ كُلُّهُمْ (أَوْ) كَانَ (بَعْضُهُمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِيهِ) أَيْ الزِّنَا (لِعَمًى أَوْ فِسْقٍ أَوْ لِكَوْنِ أَحَدِهِمْ زَوْجًا حُدُّوا لِلْقَذْفِ)؛ لِعَدَمِ كَمَالِ شَهَادَتِهِمْ كَمَا لَوْ لَمْ يَكْمُلْ الْعَدَدُ و(كَمَا لَوْ بَانَ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ) بِزِنًا (مَجْبُوبًا أَوْ) بَانَتْ مَشْهُودٌ عَلَيْهَا (رَتْقَاءَ) فَيُحَدُّونَ لِظُهُورِ كَذِبِهِمْ و(لَا) يُحَدُّ (زَوْجٌ لَاعَنَ) زَوْجَتَهُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ عَلَيْهَا بِالزِّنَا وَتَقَدَّمَ (أَوْ كَانُوا) أَيْ الْأَرْبَعَةُ الشَّاهِدُونَ بِالزِّنَا (مَسْتُورِي الْحَالِ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ) أَيْ الْأَرْبَعَةِ (قَبْلَ وَصْفِهِ) أَيْ: عُدُولًا كَانُوا أَوْ مَسْتُورِينَ (أَوْ بَانَتْ) مَشْهُودٌ عَلَيْهَا (عَذْرَاءَ) فَلَا يُحَدُّونَ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} وَقَدْ جِيءَ هُنَا بِالْأَرْبَعِ وَلَا تُحَدُّ هِيَ وَلَا الرَّجُلُ. (وَإِنْ عَيَّنَ اثْنَانِ) مِنْ أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا بِزِنًا (زَاوِيَةً) زَنَا بِهَا فِيهَا (مِنْ بَيْتٍ صَغِيرٍ عُرْفًا وَ) عَيَّنَ (اثْنَانِ) مِنْهُمْ زَاوِيَةً (أُخْرَى مِنْهُ) أَيْ الْبَيْتِ الصَّغِيرِ كَمُلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِمْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاؤُهُ فِي إحْدَى الزَّاوِيَتَيْنِ وَتَمَامُهُ فِي الْأُخْرَى بِخِلَافِ الْبَيْتِ الْكَبِيرِ لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَهُمَا (أَوْ قَالَ اثْنَانِ) فِي شَهَادَتِهِمَا زَنَى بِهَا (فِي قَمِيصٍ أَبْيَضَ أَوْ) قَالَ زَنَى بِهَا (قَائِمَةً وَ) قَالَ (اثْنَانِ) فِي شَهَادَتِهِمَا زَنَى بِهَا (فِي) قَمِيصٍ (أَحْمَرَ أَوْ) زَنَى بِهَا (نَائِمَةً كَمُلَتْ شَهَادَتُهُمْ) لِعَدَمِ التَّنَافِي لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ فِي قَمِيصٍ أَبْيَضَ تَحْتَهُ قَمِيصٌ أَحْمَرُ ثُمَّ خَلَعَ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ابْتَدَأَ بِهَا الْفِعْلَ قَائِمَةً وَأَتَمَّهُ نَائِمَةً (وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ كَبِيرًا) عُرْفًا وَعَيَّنَ اثْنَانِ زَاوِيَةً وَاثْنَانِ أُخْرَى فَقَذَفَةٌ (أَوْ عَيَّنَ اثْنَانِ بَيْتًا أَوْ) عَيَّنَا (بَلَدًا أَوْ) عَيَّنَا (يَوْمًا وَ) عَيَّنَ (اثْنَانِ) فِي شَهَادَتِهِمَا بَيْتًا أَوْ بَلَدًا أَوْ يَوْمًا (آخَرُ فَ) الْأَرْبَعَةُ (قَذَفَةٌ) لِشَهَادَةِ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ بِزِنًا غَيْرِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ الْآخَرَانِ وَلَمْ تَكْمُلْ الشَّهَادَةُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ (وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الزِّنَا وَاحِدٌ) لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِمْ. (وَإِنْ قَالَ اثْنَانِ) مِنْ أَرْبَعَةٍ (زَنَى بِهَا مُطَاوِعَةً وَقَالَ اثْنَانِ) زَنَى بِهَا (مُكْرَهَةً لَمْ تُكْمَلْ) شَهَادَتُهُ لِاخْتِلَافِهِمْ (وَعَلَى شَاهِدَيْ الْمُطَاوَعَةِ حَدَّانِ) حَدٌّ لِقَذْفِ الرَّجُلِ وَحَدٌّ لِقَذْفِ الْمَرْأَةِ (وَ) عَلَى (شَاهِدَيْ الْإِكْرَاهِ) حَدٌّ (وَاحِدٌ لِقَذْفِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ) لِشَهَادَتِهِمَا أَنَّهَا كَانَتْ مُكْرَهَةً لِاخْتِلَافِهِمْ. (وَإِنْ قَالَ اثْنَانِ) مِنْ أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا بِالزِّنَا زَنَى بِهَا (وَهِيَ بَيْضَاءُ وَقَالَ اثْنَانِ) مِنْهُمْ (غَيْرَهُ) أَيْ: زَنَى بِهَا وَهِيَ سَوْدَاءُ وَنَحْوُهُ (لَمْ تُقْبَلْ) شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ. (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ) بِزِنًا (فَرَجَعُوا) كُلُّهُمْ (أَوْ) رَجَعَ (بَعْضُهُمْ قَبْلَ حَدٍّ) مَشْهُودٍ عَلَيْهِ (وَلَوْ بَعْدَ حُكْمٍ) لَمْ يُحَدَّ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ و(حُدَّ) الشُّهُودُ (الْجَمِيعُ) أَمَّا مَعَ رُجُوعِهِمْ فَلِإِقْرَارِهِمْ بِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ وَأَمَّا مَعَ رُجُوعِ بَعْضِهِمْ فَلِنَقْصِ عَدَدِ الشُّهُودِ كَمَا لَوْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ غَيْرُ ثَلَاثَةٍ فَأَقَلَّ. (وَ) إنْ رَجَعَ بَعْضُهُمْ (بَعْدَ حَدٍّ) مَشْهُودٍ عَلَيْهِ (بِحَدِّ رَاجِعٍ) عَنْ شَهَادَتِهِ (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يُنْقَضُ بِرُجُوعِ الشُّهُودِ أَوْ بَعْضِهِمْ لَكِنْ يُحَدُّ الرَّاجِعُ لِإِقْرَارِهِ بِالْقَذْفِ (إنْ وَرِثَ حَدَّ قَذْفٍ) بِأَنْ طَالَبَ بِهِ مَقْذُوفٌ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِلَّا فَلَا. (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَاهُ) أَيْ فُلَانٍ (بِفُلَانَةَ فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ أَنَّ الشُّهُودَ هُمْ الزُّنَاةُ بِهَا) دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (حُدَّ) الْأَرْبَعَةُ (الْأَوَّلُونَ) الشَّاهِدُونَ بِهِ (فَقَطْ) دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِقَدْحِ الْآخَرِينَ فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِ (لِلْقَذْفِ وَلِلزِّنَا) لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزِنًا لَمْ يَثْبُتْ فَهُمْ قَذَفَةٌ وَثَبَتَ عَلَيْهِمْ الزِّنَى بِشَهَادَةِ الْآخَرِينَ. وَإِذَا كَمُلَتْ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ ثُمَّ مَاتَ الشُّهُودُ أَوْ غَابُوا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ إقَامَةَ الْحَدِّ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَاحْتِمَالُ رُجُوعِهِمْ لَيْسَ شُبْهَةً يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ لِبُعْدِهِ. (وَإِنْ حَمَلَتْ مَنْ لَا لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ لَمْ تُحَدَّ بِذَلِكَ) الْحَمْلِ (بِمُجَرَّدِهِ) لَكِنْ تُسْأَلُ وَلَا يَجِبُ سُؤَالُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَإِنْ ادَّعَتْ إكْرَاهًا أَوْ وَطْئًا بِشُبْهَةٍ أَوْ لَمْ تُقِرَّ بِالزِّنَا أَرْبَعًا لَمْ تُحَدَّ وَرَوَى سَعِيدٌ أَنَّ امْرَأَةً رُفِعَتْ إلَى عُمَرَ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ وَقَدْ حَمَلَتْ فَسَأَلَهَا عُمَرُ فَقَالَتْ: إنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ الرَّأْسِ فَوَقَعَ عَلَيَّ رَجُلٌ وَأَنَا نَائِمَةٌ فَمَا اسْتَيْقَظْت حَتَّى فَرَغَ فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا كَانَ فِي الْحَدِّ لَعَلَّ وَعَسَى فَهُوَ مُعَطَّلٌ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةُ هَاهُنَا.
(وَهُوَ) لُغَةً الرَّمْيُ بِقُوَّةٍ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى (الرَّمْيِ بِزِنًا أَوْ لِوَاطٍ أَوْ شَهَادَةٍ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ الزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ (وَلَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ) بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الْآيَةِ وَقَوْلِهِ: {إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ...} الْآيَةَ وَحَدِيثُ {اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (مَنْ قَذَفَ وَهُوَ) أَيْ: الْقَاذِفَ (مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ وَلَوْ أَخْرَسَ) وَقَذَفَ (بِإِشَارَةٍ مُحْصَنًا وَلَوْ مَجْبُوبًا) أَيْ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ (أَوْ) كَانَتْ مَقْذُوفَةً (ذَاتَ مَحْرَمٍ) مِنْ قَاذِفٍ (أَوْ) كَانَتْ مَقْذُوفَةً (رَتْقَاءَ حُدَّ) لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ. قَاذِفُ (حُرٍّ ثَمَانِينَ) جَلْدَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}. (وَ) حَدُّ قَاذِفِ (قِنٍّ وَلَوْ عَتَقَ عَقِبَ قَذْفٍ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ كَالْقِصَاصِ (أَرْبَعِينَ) جَلْدَةً. (وَ) حَدُّ قَاذِفِ (مُبَعَّضٍ بِحِسَابِهِ) فَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ يُجْلَدُ سِتِّينَ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ يَتَبَعَّضُ فَكَانَ عَلَى الْقِنِّ فِيهِ نِصْفُ مَا عَلَى الْحُرِّ وَالْمُبَعَّضُ بِالْحِسَابِ كَجَلْدِ الزِّنَا وَهُوَ يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَةِ. (وَيَجِبُ) حَدُّ قَذْفٍ (بِقَذْفِ) نَحْوِ قَرِيبٍ كَأُخْتِهِ وَلَوْ (عَلَى وَجْهِ الْغَيْرَةِ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ كَأَجْنَبِيٍّ لِعُمُومِ الْآيَةِ. و(لَا) يَجِبُ حَدُّ قَذْفٍ (عَلَى أَبَوَيْنِ وَإِنْ عَلَوَا لِوَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ) مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ (كَقَوَدٍ) أَيْ: كَمَا لَا يَجِبُ قَوَدٌ لِوَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ عَلَى أَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوْا فَلَا يَرِثُهُ أَيْ: حَدُّ قَذْفِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى أَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوَا (وَإِنْ وَرِثَهُ) أَيْ: الْحَدَّ (أَخُوهُ) أَيْ: أَخُو الْوَلَدِ (لِأُمِّهِ) كَأَنْ قَذَفَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ وَطَالَبَتْهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَاذِفِ فَلَا يَرِثُ الْحَدَّ عَلَى أَبِيهِ (وَحُدَّ) الْقَاذِفُ (لَهُ) أَيْ: لِلْقَذْفِ بِطَلَبِ الْوَلَدِ الْآخَرِ (لِتَبَعُّضِهِ) أَيْ: مِلْكِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ الطَّلَبَ بِهِ كَامِلًا مَعَ تَرْكِ بَاقِيهِمْ إذَا طَالَبَ بِهِ مُوَرِّثُهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ لِلُحُوقِ الْعَارِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى انْفِرَادِهِ (وَالْحَقُّ فِي حَدِّهِ) أَيْ: الْقَذْفِ (لِلْآدَمِيِّ) كَالْقَوَدِ (فَلَا يُقَامُ) حَدُّ قَذْفٍ (بِلَا طَلَبِهِ) أَيْ الْمَقْذُوفِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ إلَّا بِطَلَبِهِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إجْمَاعًا (لَكِنْ لَا يَسْتَوْفِيهِ) مَقْذُوفٌ (بِنَفْسِهِ) فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ نِيَّةُ الْإِمَامِ أَنَّهُ حَدٌّ. (وَيَسْقُطُ) حَدُّ قَذْفٍ (بِعَفْوِهِ) أَيْ: الْمَقْذُوفِ (وَلَوْ) عَفَا (بَعْدَ طَلَبِهِ بِهِ) كَمَا لَوْ عَفَا قَبْلَهُ وَكَذَا يَسْقُطُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا قَذَفَهُ بِهِ وَبِتَصْدِيقِ مَقْذُوفٍ لَهُ فِيهِ وَلِعَانٍ مِنْهُ إنْ كَانَ زَوْجًا و(لَا) يَسْقُطُ حَدُّ قَذْفٍ بِعَفْوٍ (عَنْ) (بَعْضِهِ) بِأَنْ وَجَبَ حَدُّ الْقَذْفِ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فَعَفَا بَعْضُهُمْ حَدَّ لِمَنْ طَلَبَ كَامِلًا وَإِنْ طَالَبَ بِهِ أَحَدُهُمْ فَحَدَّ لَهُ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ عَفَا فَطَلَبَ الْبَاقُونَ تَمَّمَ مَا بَقِيَ مِنْ الْحَدِّ بِخِلَافِ قَوَدٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ. (وَمَنْ قَذَفَ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَلَوْ قِنَّهُ) أَيْ: قِنَّ قَاذِفٍ (عُزِّرَ) رَدْعًا لَهُ عَنْ أَعْرَاضِ الْمَعْصُومِينَ وَكَفَالَةً عَنْ إيذَائِهِمْ (وَالْمُحْصَنُ هُنَا) أَيْ: فِي بَابِ الْقَذْفِ (الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الْعَفِيفُ عَنْ الزِّنَا ظَاهِرًا) أَيْ: فِي ظَاهِرِ حَالِهِ (وَلَوْ) كَانَ (تَائِبًا مِنْهُ) أَيْ الزِّنَا لِأَنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ (وَمُلَاعَنَةٌ وَوَلَدُهَا وَوَلَدُ زِنًا كَغَيْرِهِمْ) نَصًّا فَيُحَدُّ بِقَذْفِ كُلٌّ مِنْهُمْ إنْ كَانَ مُحْصَنًا. (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ مِثْلِهِ) أَيْ الْمَقْذُوفِ (يَطَأُ أَوْ يُوطَأُ) وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ فَأَكْثَرَ وَبِنْتُ تِسْعٍ فَأَكْثَرَ لِلُحُوقِ الْعَارِ لَهُمَا و(لَا) يُشْتَرَطُ (بُلُوغُهُ) أَيْ الْمَقْذُوفِ (وَلَا يُحَدُّ قَاذِفٌ غَيْرُ بَالِغٍ حَتَّى يَبْلُغَ) وَيُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إذْ لَا أَثَرَ لِطَلَبِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ كَلَامِهِ وَلَا طَلَبَ لِوَلِيِّهِ عَنْهُ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ التَّشَفِّي فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهِ كَالْقَوَدِ. (وَكَذَا لَوْ جُنَّ) مَقْذُوفٌ (أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ طَلَبِهِ) فَلَا يَسْتَوْفِي حَتَّى يُفِيقَ وَيُطَالَبَ بِهِ (وَ) جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ (بَعْدَهُ) أَيْ الطَّلَبِ بِهِ (يُقَامُ) أَيْ: يُقِيمُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ عَلَى الْقَاذِفِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَانْتِفَاءِ مَانِعِهِ. (وَمَنْ قَذَفَ) مُحْصَنًا (غَائِبًا لَمْ يُحَدَّ) قَاذِفُهُ (حَتَّى يَثْبُتَ طَلَبُهُ) أَيْ: الْمَقْذُوفِ الْغَائِبِ (فِي غَيْبَتِهِ بِشَرْطِهِ أَوْ يَحْضُرَ وَيَطْلُبَ) بِنَفْسِهِ. (وَمَنْ قَالَ لِمُحْصَنَةٍ زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِدُونِ تِسْعِ) سِنِينَ عُزِّرَ (أَوْ قَالَهُ) أَيْ: زَنَيْتَ وَأَنْتَ صَغِيرٌ (ل) مُحْصَنٍ (ذَكَرٍ وَفَسَّرَهُ بِدُونِ عَشْرِ) سِنِينَ (عُزِّرَ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِلَّا) يُفَسِّرْهُ بِدُونِ ذَلِكَ (حُدَّ) لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ مَقْذُوفٍ. (وَإِنْ قَالَ) لِمُحْصَنَةٍ زَنَيْت (وَأَنْتِ كَافِرَةٌ أَوْ) وَأَنْتِ (أَمَةٌ أَوْ) وَأَنْتِ (مَجْنُونَةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا كَذَلِكَ) أَيْ: كَافِرَةً أَوْ أَمَةً أَوْ مَجْنُونَةً (حُدَّ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ (كَمَا لَوْ قَذَفَ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ وَادَّعَى رِقَّهَا فَأَنْكَرَتْهُ) فَيُحَدُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ (وَإِنْ ثَبَتَ كَوْنُهَا كَذَلِكَ) أَيْ: كَانَتْ كَافِرَةً أَوْ أَمَةً مَجْنُونَةً (لَمْ يُحَدَّ) لِإِضَافَتِهِ الزِّنَا إلَى حَالٍ لَمْ تَكُنْ فِيهَا مُحْصَنَةً (وَلَوْ قَالَتْ أَرَدْت قَذْفِي فِي الْحَالِ وَأَنْكَرَهَا) لِاخْتِلَافِهِمَا فِي نِيَّتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ: وَأَنْتِ كَافِرَةٌ وَنَحْوُهُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ. (وَيُصَدَّقُ قَاذِفٌ) مُحْصَنٌ ادَّعَى (أَنَّ قَذْفَهُ) كَانَ (حَالَ صِغَرِ مَقْذُوفٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ صِغَرُهُ وَالْبَرَاءَةُ مِنْ الْحَدِّ (فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ وَكَانَتَا مُطْلَقَتَيْنِ) بِأَنْ قَالَتْ إحْدَاهُمَا قَذَفَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ وَالْأُخْرَى وَهُوَ كَبِيرٌ (أَوْ) كَانَتَا (مُؤَرَّخَتَيْنِ تَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ) بِأَنْ قَالَتْ إحْدَاهُمَا: قَذَفَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَالْأُخْرَى: قَذَفَهُ وَهُوَ كَبِيرٌ سَنَةَ ثَلَاثِينَ مَثَلًا (فَهُمَا قَذْفَانِ مُوجَبُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (أَحَدِهِمَا الْحَدُّ) وَهُوَ الْقَذْفُ فِي الْكَبِيرِ (وَ) مُوجَبُ (الْآخَرِ) وَهُوَ الْقَذْفُ زَمَنَ الصِّغَرِ (التَّعْزِيرُ) إعْمَالًا لِلْبَيِّنَتَيْنِ لِعَدَمِ التَّنَافِي (وَإِنْ أُرِّخَتَا تَأْرِيخًا وَاحِدًا وَقَالَتْ إحْدَاهُمَا وَهُوَ) أَيْ الْمَقْذُوفُ حَالَ قَذْفِهِ (صَغِيرٌ وَ) قَالَتْ (وَالْأُخْرَى وَهُوَ) إذْ ذَاكَ (كَبِيرٌ تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا) لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْأُخْرَى (وَكَذَا لَوْ كَانَ تَارِيخُ بَيِّنَةِ الْمَقْذُوفِ) الشَّاهِدَةِ بِكِبَرِهِ (قَبْلَ تَارِيخِ بَيِّنَةِ الْقَاذِفِ) الشَّاهِدَةِ بِصِغَرِ مَقْذُوفٍ فَيَتَعَارَضَانِ وَيَسْقُطَانِ، وَيُرْجَعُ لِقَوْلِ قَاذِفٍ: إنَّ الْقَذْفَ كَانَ حِينَ صِغَرِ الْمَقْذُوفِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْحَدِّ. (وَمَنْ قَالَ لِابْنِ عِشْرِينَ) سَنَةً (زَنَيْت مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَمْ يُحَدَّ) لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ. (وَلَا يَسْقُطُ) حَدُّ قَذْفٍ (بِرِدَّةِ مَقْذُوفٍ بَعْدَ طَلَبٍ أَوْ زَوَالِ إحْصَانٍ) وَلَوْ (لَمْ يُحْكَمْ بِوُجُوبِهِ) أَيْ: الْحَدِّ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ وَكَمَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا.
وَيَحْرُمُ قَذْفٌ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرَى زَوْجَتَهُ تَزْنِي فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْ (هَا) فِيهِ فَيَعْتَزِلَهَا ثُمَّ تَلِدُ مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ الزَّانِي فَيَلْزَمَهُ قَذْفُهَا وَنَفْيُهُ أَيْ: الْوَلَدِ بِاللِّعَانِ لِجَرَيَانِ ذَلِكَ مَجْرَى الْيَقِينِ فِي أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي حَيْثُ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْئِهِ، وَإِذَا لَمْ يَنْفِ الْوَلَدَ لَحِقَهُ وَوَرِثَهُ وَوَرِثَ أَقَارِبَهُ وَوَرِثُوا مِنْهُ وَنَظَرَ إلَى بَنَاتِهِ وَأَخَوَاتِهِ وَنَحْوِهِنَّ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَوَجَبَ نَفْيُهُ إزَالَةً لِذَلِكَ وَلِحَدِيثِ {أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَوْلُهُ: وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ، يَعْنِي: يَرَى الْوَلَدَ مِنْهُ فَكَمَا حَرُمَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَالرَّجُلُ مِثْلُهَا وَلَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهَا فَهُوَ كَمَا رَآهَا تَزِنِي (وَكَذَا إنْ وَطِئَهَا) زَوْجُهَا (فِي طُهْرٍ زَنَتْ فِيهِ وَقَوِيَ فِي ظَنِّهِ) أَيْ الزَّوْجِ (أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي لَشَبَهِهِ بِهِ) أَيْ: الزَّانِي (وَنَحْوِهِ) كَكَوْنِ الزَّوْجِ عَقِيمًا لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ تَحَقُّقِ الزِّنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي وَلِقِيَامِ غَلَبَةِ الظَّنِّ مَقَامَ التَّحْقِيقِ. الْمَوْضِعُ (الثَّانِي أَنْ يَرَاهَا تَزْنِي وَلَمْ تَلِدْ مَا) أَيْ وَلَدًا (يَلْزَمُهُ نَفْيُهُ) بِأَنْ لَمْ تَلِدْ أَوْ وَلَدَتْ مَا لَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مِنْ زَانٍ (أَوْ يَسْتَفِيضُ زِنَاهَا) بَيْنَ النَّاسِ (أَوْ يُخْبِرَ بِهِ ثِقَةٌ) لَا عَدَاوَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا (أَوْ يَرَى مَعْرُوفًا بِهِ) أَيْ الزِّنَا (عِنْدَهَا فَيُبَاحُ) لِزَوْجِهَا (قَذْفُهَا بِهِ) أَيْ بِالرَّجُلِ الْمَعْرُوفِ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ زِنَاهَا، وَلَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى غَيْرِهَا حَيْثُ لَمْ تَلِدْ (وَفِرَاقُهَا) إذَنْ (أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، وَلِأَنَّ قَذْفَهَا يُفْضِي إلَى حَلِفِ أَحَدِهِمَا كَاذِبًا إنْ تَلَاعَنَا أَوْ إقْرَارِهَا فَتَفْتَضِحُ. وَلَا يَجُوزُ قَذْفُهَا بِمَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ إنْ لَمْ يَسْتَفِضْ زِنَاهَا لِجَوَازِ دُخُولِهِ سَارِقًا وَنَحْوَهُ. (وَإِنْ أَتَتْ) زَوْجَةُ شَخْصٍ (بِوَلَدٍ يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَهُمَا) كَالسَّوَادِ وَالزَّوْجَانِ أَبْيَضَانِ (لَمْ يُبَحْ) لِزَوْجِهَا (نَفْيُهُ بِذَلِكَ) أَيْ: بِمُخَالَفَةِ لَوْنِهِ لَوْنَهُمَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: {جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ امْرَأَتِي جَاءَتْ بِوَلَدٍ أَسْوَدَ يُعَرِّضُ بِنَفْيِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا أَلْوَانُهَا قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ: إنَّ فِيهَا لَوُرْقًا. قَالَ: فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ. قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزْعَةَ عِرْقٍ. قَالَ: فَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزْعَةَ عِرْقٍ. قَالَ: وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَأَلْوَانَهُمْ وَخِلَقَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ. فَلَوْلَا مُخَالَفَتُهُمْ صِفَةَ أَبَوَيْهِمْ لَكَانُوا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ (بِلَا قَرِينَةٍ) فَإِنْ كَانَتْ بِأَنْ رَأَى عِنْدَهَا رَجُلًا يُشْبِهُ مَا وَلَدَتْهُ، فَلَهُ نَفْيُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ الشَّبَهِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ.
ولِلْقَذْفِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ و(صَرِيحُهُ: يَا مَنْيُوكَةُ، بِأَنْ لَمْ يُفَسِّرْهُ) قَاذِفٌ (بِفِعْلِ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ) فَإِنْ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ فَلَيْسَ قَذْفًا (يَا مَنْيُوكُ، يَا زَانِي، يَا عَاهِرُ أَوْ قَدْ زَنَيْت، أَوْ زَنَى فَرْجُك وَنَحْوُهُ) كَرَأَيْتُك تَزْنِي، وَأَصْلُ الْعِهْرِ: إتْيَانُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ لَيْلًا لِلْفُجُورِ بِهَا. ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الزَّانِي سَوَاءٌ جَاءَهَا أَوْ جَاءَتْهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا (أَوْ) قَالَ لَهُ (يَا مَعْفُوجَ) بِالْفَاءِ وَالْجِيمِ نَصًّا لِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ لَهُ بِمَعْنَى الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، وَأَصْلُهُ الضَّرْبُ (أَوْ) قَالَ لَهُ (يَا لُوطِيُّ) لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ مَنْ يَأْتِي الذُّكُورَ لِأَنَّهُ عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ (فَإِنْ قَالَ أَرَدْت) بِقَوْلِي يَا زَانِي وَنَحْوَهُ (زَانِيَ الْعَيْنِ) وَنَحْوَهُ (أَوْ) أَرَدْت بِقَوْلِي يَا عَاهِرُ (عَاهِرَ الْيَدِ. وَ) قَالَ: أَرَدْت بِقَوْلِي يَا لُوطِيُّ (أَنَّك مِنْ قَوْمِ لُوطٍ، أَوْ) أَنَّك (تَعْمَلُ عَمَلَهُمْ غَيْرَ إتْيَانِ الذُّكُورِ، لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. (وَ) قَوْلُ الْمُكَلَّفِ لِشَخْصٍ (لَسْت لِأَبِيك. وَ) لَسْت (بِوَلَدِ فُلَانٍ) الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ (قَذْفٌ لِأُمِّهِ) أَيْ: الْمَقُولِ لَهُ لِإِثْبَاتِهِ الزِّنَا لِأُمِّهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِذَا نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ أَثْبَتَهُ لِغَيْرِهِ، وَالْغَيْرُ لَا يُمْكِنُ إحْبَالُهُ لَهَا فِي زَوْجِيَّةِ أَبِيهِ إلَّا بِزِنًا، فَكَانَ قَذْفًا لَهَا، وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا لِاحْتِمَالِ الشُّبْهَةِ لِبُعْدِهِ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْمَقُولُ لَهُ ذَلِكَ (مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ مُلَاعِنٌ) بَعْدَ نَفْيِهِ (وَلَمْ يُفَسِّرْهُ) قَائِلُ ذَلِكَ (بِزِنَا أُمِّهِ) فَلَا يَكُونُ قَذْفًا لَهَا (وَكَذَا لَوْ نَفَاهُ عَنْ قَبِيلَتِهِ) فَهُوَ قَذْفٌ لِأُمِّهِ إلَّا مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ لَمْ يُفَسِّرْهُ بِزِنَا أُمِّهِ لِحَدِيثِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ مَرْفُوعًا {لَا أُوتَى بِرَجُلٍ. يَقُولُ: إنَّ كِنَانَةَ لَيْسَتْ مِنْ قُرَيْشٍ إلَّا جَلَدْته} " وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " لَا جَلْدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٍ قَذَفَ مُحْصَنَةً أَوْ نَفَى رَجُلًا عَنْ أَبِيهِ ". (وَ) قَوْلُهُ لِآخَرَ (مَا أَنْتَ ابْنَ فُلَانَةَ لَيْسَ بِقَذْفٍ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ أَرَادَ قَذْفَهُ بِهِ أَوْ لَا إذْ الْوَلَدُ مِنْ أُمِّهِ بِكُلِّ حَالٍ. (وَ) قَوْلُهُ لِوَلَدِهِ (لَسْت بِوَلَدِي كِنَايَةٌ فِي قَذْفِ أُمِّهِ) نَصًّا لِأَنَّ الْوَالِدَ إذَا أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ وَلَدِهِ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ كَثِيرًا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا لِأُمِّهِ مَعَ احْتِمَالِ إلَّا مَعَ إرَادَتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. (وَ) قَوْلُ إنْسَانٍ لِغَيْرِهِ (أَنْتِ أَزْنَى النَّاسِ أَوْ) أَنْتِ أَزْنَى (مِنْ فُلَانَةَ) أَوْ فُلَانٍ صَرِيحٌ فِي الْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ فَقَطْ لِاسْتِعْمَالِ أَفْعَلَ فِي الْمُنْفَرِدِ بِالْفِعْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي} وَقَوْلِهِ: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ} وَقَوْلِهِمْ: الْعَسَلُ أَحْلَى مِنْ الْخَلِّ (أَوْ قَالَ لَهُ) أَيْ الرَّجُلِ (يَا زَانِيَةُ أَوْ) قَالَ (لَهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (يَا زَانٍ صَرِيحٌ فِي الْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ) لِأَنَّ مَا كَانَ قَذْفًا لِأَحَدِ الصِّنْفَيْنِ كَانَ قَذْفًا لِلْمُخَاطَبِ وَقَدْ يَكُونُ التَّأْنِيثُ وَالتَّذْكِيرُ بِمُلَاحَظَةِ الذَّاتِ وَالشَّخْصِ و(كَفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا لَهُمَا) أَيْ: الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (فِي) قَوْلِهِ (زَنَيْت) لِأَنَّهُ خِطَابٌ لَهُمَا وَإِشَارَةٌ إلَيْهِمَا بِلَفْظِ الزِّنَا، كَقَوْلِهِ لِامْرَأَةٍ: يَا شَخْصًا زَانِيًا وَلِرَجُلٍ يَا نَسَمَةَ زَانِيَةً (وَلَيْسَ) الْقَائِلُ: أَنْتَ أَزْنَى مِنْ فُلَانَةَ (بِقَاذِفٍ لِفُلَانَةَ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِقَوْلِ لُوطٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} أَيْ: مِنْ أَدْبَارِ الذُّكُورِ، وَلَا طَهَارَةَ فِيهَا (وَمَنْ قَالَ عَنْ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا زَانٍ. فَقَالَ) لَهُ (أَحَدُهُمَا: أَنَا؟ فَقَالَ) لَهُ (لَا فَ) هُوَ (قَذْفٌ لِلْآخَرِ) لِتَعَيُّنِهِ بِنَفْيِهِ عَنْ الْآخَرِ (وَ) قَوْلُهُ لِآخَرَ (زَنَأْت مَهْمُوزًا صَرِيحٌ) فِي قَذْفِهِ (وَلَوْ زَادَ فِي الْجَبَلِ أَوْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ) لِأَنَّ عَامَّةَ النَّاسِ لَا يَفْقَهُونَ مِنْهُ إلَّا الْقَذْفَ كَغَيْرِ الْمَهْمُوزِ.
وَكِنَايَتُهُ وَالتَّعْرِيضُ بِهِ (زَنَتْ يَدَاك أَوْ) زَنَتْ رِجْلَاك أَوْ زَنَتْ (يَدُك أَوْ) زَنَتْ (رِجْلُك أَوْ) زَنَى (بَدَنُك) لِأَنَّ زِنَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ. لِحَدِيثِ {الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ} (وَيَا خَنِيثُ بِالنُّونِ وَيَا نَظِيفُ يَا عَفِيفُ وَ) لِامْرَأَةٍ (يَا قَحْبَةُ يَا فَاجِرَةُ يَا خَبِيثَةُ، وَلِزَوْجَةِ شَخْصٍ قَدْ فَضَحْته وَغَطَّيْت) رَأْسَهُ (أَوْ نَكَّسْت رَأْسَهُ وَجَعَلْت لَهُ قُرُونًا وَعَلَّقْت عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ وَأَفْسَدْت فِرَاشَهُ وَ) قَوْلُهُ (لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ) أَوْ (يَا فَارِسِيُّ) أَوْ (يَا رُومِيُّ وَ) قَوْلُهُ (لِأَحَدِهِمْ) أَيْ: لِنَبَطِيٍّ وَفَارِسِيٍّ أَوْ رُومِيٍّ (يَا عَرَبِيُّ وَ) قَوْلُهُ (لِمَنْ يُخَاصِمُهُ يَا حَلَالُ يَا ابْنَ الْحَلَالِ مَا يَعْرِفُك النَّاسُ بِالزِّنَا، أَوْ مَا أَنَا بِزَانٍ مَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ، أَوْ يَسْمَعُ مَنْ يَقْذِفُ شَخْصًا فَيَقُولُ) لَهُ (صَدَقْت أَوْ صَدَقْت فِيمَا قُلْت، أَوْ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ) أَنَّك زَنَيْت (أَوْ أَشْهَدَنِي أَنَّك زَنَيْت وَكَذَّبَهُ فُلَانٌ). وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلُهُ: لَمْ أَجِدْك عَذْرَاءَ كِنَايَةٌ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لَا أَرَى الْحَدَّ إلَّا عَلَى مَنْ صَرَّحَ بِالْقَذْفِ أَوْ الشِّتْمَةِ (فَإِنْ فَسَّرَهُ) أَيْ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ (بِمُحْتَمَلٍ غَيْرِ الْقَذْفِ) كَقَوْلِهِ: أَرَدْت بِالنَّبَطِيِّ نَبَطِيَّ اللِّسَانِ وَنَحْوَهُ، وَبِالرُّومِيِّ رُومِيَّ الْخِلْقَةِ، وَبِقَوْلِي: أَفْسَدْت فِرَاشَهُ أَيْ خَرَقْته أَوْ أَتْلَفْته، وَبِقَوْلِي عَلَّقْت عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ الْتَقَطْت أَوْلَادًا وَنَسَبْتهمْ إلَيْهِ، وَالْمُخَنَّثِ أَنَّ فِيهِ طِبَاعَ التَّأْنِيثِ أَيْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ، وَبِقَحْبَةٍ: أَنَّهَا تَتَصَنَّعُ لِلْفُجُورِ وَنَحْوِهِ (قُبِلَ) مِنْهُ (وَعُزِّرَ) لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا. وَلَا كَفَّارَةَ كَمَا يُعَزَّرُ بِ (قَوْلِهِ: يَا كَافِرُ يَا فَاسِقُ يَا فَاجِرُ يَا حِمَارُ يَا تَيْسُ يَا رَافِضِيُّ يَا خَبِيثَ الْبَطْنِ أَوْ) يَا خَبِيثَ (الْفَرْجِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ يَا ظَالِمُ يَا كَذَّابُ يَا خَائِنُ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ يَا مُخَنَّثُ) نَصًّا (يَا قَرْنَانُ يَا قَوَّادُ وَنَحْوُهُمَا يَا دَيُّوثُ يَا كَشْخَانُ يَا قْرْطُبَانُ) قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: الدَّيُّوثُ الَّذِي يُدْخِلُ الرِّجَالَ عَلَى امْرَأَتِهِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الْقَرْطُبَانُ الَّذِي يَرْضَى أَنْ يَدْخُلَ الرِّجَالُ عَلَى نِسَائِهِ. وَقَالَ: الْقَرْنَانُ وَالْكَشْخَانُ لَمْ أَرَهُمَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَمَعْنَاهُمَا عِنْدَ الْعَامَّةِ مِثْلُ مَعْنَى الدَّيُّوثِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَالْقَوَّادُ عِنْدَ الْعَامَّةِ السِّمْسَارُ فِي الزِّنَا وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ قَوْلُهُ يَا عِلْقُ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّ قَوْلَهُ (يَا عِلْقُ) تَعْرِيضٌ (وَ) لَفْظُ (مَأْبُونٍ كَمُخَنَّثٍ عُرْفًا). وَفِي الْفُنُونِ: هُوَ لُغَةً الْعَيْبُ وَيَقُولُونَ: عُودٌ مَأْبُونٌ، وَالِابْنُ: الْجُنُونُ، وَالْأُبْنَةُ: الْعَيْبُ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ الزَّاهِرِ فَإِنْ كَانَ لَهُ عُرْفٌ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْفِعْلِ بِهِ أَوْ الْفِعْلِ مِنْهُ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ؛ لِأَنَّ الْأُبْنَةَ الْمُشَارَ إلَيْهَا لَا تُعْطِي أَنَّهُ يَفْعَلُ بِمُقْتَضَاهَا إلَّا بِقَوْلٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ لِلْمَرْأَةِ يَا شَبِقَةُ يَا مُغْتَلِمَةُ. (وَإِنْ قَذَفَ أَهْلَ بَلَدٍ) عُزِّرَ أَوْ قَذَفَ (جَمَاعَةً لَا يُتَصَوَّرُ الزِّنَا مِنْهُمْ عَادَةً) عُزِّرَ؛ لِأَنَّهُ لَا عَارَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ لِلْقَطْعِ بِكَذِبِ الْقَاذِفِ (أَوْ اخْتَلَفَا) فِي أَمْرٍ (فَقَالَ أَحَدُهُمَا: الْكَاذِبُ ابْنُ الزَّانِيَةِ عُزِّرَ وَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ نَصًّا لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْكَاذِبِ (كَقَوْلِهِ: مَنْ رَمَانِي فَهُوَ ابْنُ الزَّانِيَةِ) وَيُعَزَّرُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَكِنْ يُتَوَجَّهُ أَنَّهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِ غِيبَةِ أَهْلِ قَرْيَةٍ لَا أَحَدِ هَؤُلَاءِ أَوْ وَصَفَ رَجُلًا بِمَكْرُوهٍ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَذَّى غَيْرُ الْمُعَيَّنِ، كَقَوْلِهِ فِي الْعَالَمِ مَنْ يَزْنِي وَنَحْوُهُ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ بَعْدَ الْبَحْثِ. (وَمَنْ قَالَ لِمُكَلَّفٍ: اقْذِفْنِي فَقَذَفَهُ لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ) أَيْ: الْحَدَّ (حَقٌّ لَهُ) أَيْ: الْمَقْذُوفِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ بِالْإِذْنِ فِيهِ (وَعُزِّرَ) لِفِعْلِهِ مَعْصِيَةً. (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا زَانِيَةُ قَالَتْ: بِكِ زَنَيْت سَقَطَ حَقُّهَا بِتَصْدِيقِهَا وَلَمْ تَقْذِفْهُ) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالزِّنَا مُضَافًا إلَى مُعَيَّنٍ لَا يَكُونُ قَذْفًا لَهُ كَقَوْلِهِ: زَنَيْت بِفُلَانَةَ فَلَيْسَ قَذْفًا لَهَا (وَيُحَدَّانِ) أَيْ: الْمُتَكَلِّمَانِ (فِي) مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ (زَنَى بِك فُلَانٌ، قَالَتْ: بَلْ أَنْتَ زَنَى بِك أَوْ) قَالَ لَهَا (يَا زَانِيَةُ قَالَتْ) لَهُ (بَلْ أَنْتَ زَانٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ الْآخَرِ. (وَلَيْسَ لِوَلَدٍ مُحْصَنٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (قُذِفَ مُطَالَبَةُ) قَاذِفٍ بِالْحَدِّ (مَا دَامَ) الْمَقْذُوفُ (حَيًّا) لِوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، فَإِنْ وَكَّلَ الْمَقْذُوفُ وَلَدَهُ فِي الطَّلَبِ بِهِ جَازَ (فَإِنْ مَاتَ) مَقْذُوفٌ (وَلَمْ يُطَالِبْ) قَاذِفًا (بِهِ) أَيْ بِالْحَدِّ (سَقَطَ) كَالشَّفِيعِ إذَا مَاتَ قَبْلَ طَلَبِ الشُّفْعَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ طَالَبَ بِهِ مَقْذُوفٌ قَبْلَ مَوْتِهِ (فَلَا) يَسْقُطُ لِلْعِلْمِ بِقِيَامِهِ عَلَى حَقِّهِ فَيَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ: حَدُّ الْقَذْفِ (لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ) حَتَّى الزَّوْجَيْنِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (فَلَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ) أَيْ: الْوَرَثَةِ (حُدَّ لِلْبَاقِي) مِنْ الْوَرَثَةِ الَّذِي لَمْ يَعْفُ (كَامِلًا) لِلُحُوقِ الْعَارِ بِكُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ. وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ إلَى بَدَلٍ فَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمْ إسْقَاطَ حَقِّ غَيْرِهِ فَوَجَبَ لِمَنْ لَمْ يَعْفُ كَامِلًا كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ الْمَقْذُوفُ قَبْلَ مَوْتِهِ. (وَمَنْ قَذَفَ مَيِّتًا وَلَوْ) كَانَ الْمَيِّتُ (غَيْرَ مُحْصَنٍ حُدَّ) قَاذِفٌ (بِطَلَبِ وَارِثٍ مُحْصَنٍ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعَارِ فَاعْتُبِرَ إحْصَانُهُ كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الْمَقْذُوفَ لِمَشْرُوعِيَّةِ حَدِّ الْقَذْفِ لِلتَّشَفِّي بِسَبَبِ الطَّعْنِ وَالْفِرْيَةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَارِثُ مُحْصَنًا لَمْ يُحَدَّ قَاذِفٌ. (وَمَنْ قَذَفَ نَبِيًّا) مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَفَرَ (أَوْ) قَذَفَ (أُمَّهُ) أَيْ أَمَّ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (كَفَرَ وَقُتِلَ حَتَّى وَلَوْ تَابَ) لِأَنَّ تَوْبَتَهُ لَا تُقْبَلُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ هُنَا حَدُّ الْقَاذِفِ وَحَدُّ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَكَذَا لَوْ قَذَفَ نِسَاءً لِقَدْحِهِ فِي دِينِهِ (أَوْ) أَيْ: وَيُقْتَلُ قَاذِفُ نَبِيٍّ أَوْ أُمِّهِ وَلَوْ (كَانَ كَافِرًا) ذِمِّيًّا (فَأَسْلَمَ) بَعْدَ قَذْفِهِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ حَدُّ مَنْ قَذَفَ الْأَنْبِيَاءَ أَوْ أُمَّهَاتَهُمْ فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ كَقَذْفِ غَيْرِهِمْ، بِخِلَافِ سَبٍّ بِغَيْرِ قَذْفٍ. (وَلَا يَكْفُرُ مَنْ قَذَفَ أَبَاهُ) أَيْ أَبَا شَخْصٍ (إلَى آدَمَ) نَصًّا وَسَأَلَهُ حَرْبٌ: رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ يَا ابْنَ كَذَا وَكَذَا إلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ؟ فَعَظَّمَهُ جِدًّا وَقَالَ عَنْ الْحَدِّ: لَمْ يَبْلُغْنِي فِيهِ شَيْء وَذَهَبَ إلَى حَدٍّ وَاحِدٍ. (وَمَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً يُتَصَوَّرُ زِنَاهُمْ عَادَةً بِكَلِمَةٍ) وَاحِدَةٍ كَقَوْلِهِ: هُمْ زُنَاةٌ (فَطَالَبُوهُ) كُلُّهُمْ (أَوْ) طَلَبَ (أَحَدُهُمْ فَ) عَلَيْهِ (حَدٌّ) وَاحِدٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ قَذْفِ وَاحِدٍ وَجَمَاعَةٍ وَلِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجِبُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ حَدٍّ وَلِأَنَّ الْحَدَّ شُرِعَ لِإِزَالَةِ الْمَعَرَّةِ بِالْقَذْفِ عَنْ الْمَقْذُوفِ وَبِحَدٍّ وَاحِدٍ يَظْهَرُ كَذِبُ الْقَاذِفِ. وَتَزُولُ الْمَعَرَّةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَذَفَ كُلًّا مِنْهُمْ قَذْفًا مُفْرَدًا، فَإِنْ كَذِبَهُ فِي قَذْفٍ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَذِبُهُ فِي قَذْفٍ آخَرَ، وَالْحَقُّ إذَنْ يَثْبُتُ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فَأَيُّهُمْ طَلَبَهُ اسْتَوْفَى وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ لِغَيْرِ الْمُسْتَوْفِي، وَإِنْ أَسْقَطَهُ أَحَدُهُمْ فَلِغَيْرِهِ الطَّلَبُ، لِأَنَّ الْمَعَرَّةُ لَمْ تَزُلْ عَنْهُ بِعَفْوِ صَاحِبِهِ. (وَ) إنْ قَذَفَهُمْ (بِكَلِمَاتٍ) بِأَنْ قَذَفَ كُلًّا بِكَلِمَةٍ أَيْ: جُمْلَةٍ (فَ) عَلَيْهِ (لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (حَدٌّ) لِتَعَدُّدِ الْقَذْفِ وَتَعَدُّدِ مَحَلِّهِ كَمَا لَوْ قَذَفَ كُلًّا مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْذِفَ الْآخَرَ. (وَمَنْ حُدَّ لِقَذْفٍ ثُمَّ أَعَادَهُ) أَيْ: الْقَذْفَ عُزِّرَ؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ حُدَّ لَهُ فَلَا يُعَادُ كَمَا لَوْ أَعَادَهُ قَبْلَ الْحَدِّ (أَوْ) أَعَادَ مُلَاعِنٌ الْقَذْفَ (بَعْدَ لِعَانِهِ عُزِّرَ وَلَا) يُعَادُ (لِعَانٌ) لِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ لَاعَنَ عَلَيْهِ مَرَّةً كَمَا لَوْ أَعَادَهُ قَبْلَ اللِّعَانِ. (وَ) إنْ قَذَفَهُ (بِزِنًا آخَرَ) غَيْرِ الَّذِي حُدَّ لَهُ (حُدَّ مَعَ طُولِ الزَّمَنِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ وَحُرْمَةَ الْمَقْذُوفِ لَمْ تَسْقُطْ (وَإِلَّا) يَطُلْ الزَّمَنُ (فَلَا) يُعَادُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. (وَمَنْ قَذَفَ مُقِرًّا بِزِنًا وَلَوْ) أَقَرَّ بِهِ (دُونَ أَرْبَعِ) مَرَّاتٍ (عُزِّرَ) لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا وَلَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الْمَعَرَّةَ عَلَى الْمَقْذُوفِ بِإِقْرَارِهِ لَا بِالْقَذْفِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ تَوْبَةٍ مِنْ قَذْفٍ وَغِيبَةٍ وَنَحْوِهِمَا إعْلَامُهُ وَالتَّحَلُّلُ مِنْهُ. وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي وَعَبْدُ الْقَادِرِ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَجِبُ الِاعْتِرَافُ لَوْ سَأَلَهُ فَيُعَرِّضُ وَلَوْ مَعَ اسْتِحْلَافِهِ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ لِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ فَتَصَدَّقَ بِعِرْضِهِ عَلَى النَّاسِ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَمْ يُبَحْ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ لَا يَصِحُّ وَإِذْنُهُ فِي عَرْضِهِ كَإِذْنِهِ فِي قَذْفِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا لَهُ فِي الْأَخِيرَةِ.
وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ السُّكْرِ أَيْ: اخْتِلَافِ الْعَقْلِ (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ يَحْرُمُ شُرْبُ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا {إنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ الْخَمْرَ فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ وَعِنْدَهُ شَيْءٌ فَلَا يَشْرَبْ وَلَا يَبِعْ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْهَا طُرُقَ الْمَدِينَةِ فَسَفَكُوهَا} رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُهُ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْعِنَبِ أَوْ الشَّعِيرِ أَوْ غَيْرِهِمَا لِحَدِيثِ {كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا {كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. وَمَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرَقُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْفَرَقُ بِالتَّحْرِيكِ مِكْيَالٌ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا، وَتَقَدَّمَ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ. وَعَنْ جَابِرٍ مِثْلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ عُمَرَ " نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ. وَالْخَمْرُ: مَا خَامَرَ الْعَقْلَ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَوْ) شَرِبَ الْمُسْكِرَ (لِعَطَشٍ) لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ رِيٌّ، بَلْ مَا فِيهِ مِنْ الْحَرَارَةِ يُزِيدُ الْعَطَشَ (بِخِلَافِ مَا نَجَسَ) فَيَجُوزُ شُرْبُهُ لِعَطَشٍ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَرْدِ وَالرُّطُوبَةِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِدَوَاءٍ وَتَقَدَّمَ. (إلَّا لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ) أَيْ الْمُسْكِرِ (وَخَافَ تَلَفًا) فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ (وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ) أَيْ الْخَمْرِ فِي دَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا (بَوْلٌ) لِوُجُوبِ الْحَدِّ بِاسْتِعْمَالِ الْمُسْكِرِ دُونَ الْبَوْلِ (وَ) يُقَدَّمُ (عَلَيْهِمَا) أَيْ الْمُسْكِرِ وَالْبَوْلِ فِي ذَلِكَ (مَاءٌ نَجِسٌ) لِأَنَّ أَصْلُهُ مَطْعُومٌ بِخِلَافِ الْبَوْلِ. (فَإِذَا شَرِبَهُ) أَيْ الْمُسْكِرَ (أَوْ) شَرِبَ (مَا خُلِطَ بِهِ) أَيْ الْمُسْكِرِ (وَلَمْ يُسْتَهْلَكْ) الْمُسْكِرُ (فِيهِ) أَيْ: الْمَاءِ حُدَّ، فَإِنْ اُسْتُهْلِكَ فِي الْمَاءِ فَلَا حَدَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلُبْ عَنْ الْمَاءِ اسْمَهُ (أَوْ اسْتَعَطَ) بِمُسْكِرٍ (أَوْ احْتَقَنَ بِهِ أَوْ أَكَلَ عَجِينًا لُتَّ بِهِ) أَيْ الْمُسْكِرِ لَا إنْ خُبِزَ فَأَكَلَهُ (مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ) لَا صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ، وَيَصْدُقُ إنْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ) أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ (مُخْتَارًا) لِشُرْبِهِ فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَمْ يُحَدَّ (لِحِلِّهِ) أَيْ: الْمُسْكِرِ (لِمُكْرَهٍ) عَلَى شُرْبِهِ بِإِلْجَاءٍ أَوْ وَعِيدٍ مِنْ قَادِرٍ لِحَدِيثِ {عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ} (وَصَبْرُهُ) أَيْ: الْمُكْرَهِ عَلَى شُرْبِ مُسْكِرٍ (عَلَى الْأَذَى أَفْضَلُ) مِنْ شُرْبِهَا مُكْرَهًا نَصًّا، وَكَذَا كُلُّ مَا جَازَ لِمُكْرَهٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَإِنْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّخَلُّفُ لِأَنَّهُ إلْقَاءٌ بِنَفْسِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ. (أَوْ وُجِدَ) مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ (سَكْرَانَ أَوْ تَقَايَأَهُ) أَيْ الْخَمْرَ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ (حُدَّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْكَرْ أَوْ يَتَقَيَّؤُهَا إلَّا وَقَدْ شَرِبَهَا (حُرٌّ) وُجِدَ مِنْهُ شَيْء مِمَّا تَقَدَّمَ (ثَمَانِينَ) جَلْدَةً لِمَا رَوَى الْجُوزَجَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: اجْعَلْهُ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ فَضَرَبَ عُمَرُ ثَمَانِينَ وَكَتَبَ بِهِ إلَى خَالِدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بِالشَّامِ. وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْمَشُورَةِ: أَنَّهُ إذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَحُدُّوهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي. (وَ) حَدُّ (رَقِيقٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ (نِصْفُهَا) أَيْ: أَرْبَعِينَ جَلْدَةً ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أَمَّ وَلَدٍ. (وَلَوْ ادَّعَى) شَارِبٌ وَنَحْوُهُ حُرًّا كَانَ أَوْ قِنًّا (جَهْلَ وُجُوبِ الْحَدِّ) حَيْثُ عَلِمَ التَّحْرِيمَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزِّنَا. (وَيُعَزَّرُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَتُهَا) أَيْ الْخَمْرِ وَلَا يُحَدُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ بِهَا أَوْ ظَنَّهَا مَاءً فَلَمَّا صَارَتْ فِيهِ مَجَّهَا وَنَحْوَهُ (أَوْ) أَيْ وَيُعَزَّرُ مَنْ (حَضَرَ شُرْبَهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. و(لَا) يُحَدُّ وَلَا يُعَزَّرُ (شَارِبُ) خَمْرٍ (جَهِلَ التَّحْرِيمَ) أَيْ: تَحْرِيمَ الْخَمْرِ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ: لَا حَدَّ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ، وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ مَنْ شَرِبَهَا غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّهَا خَمْرٌ (وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْجَهْلِ) بِالتَّحْرِيمِ (مِمَّنْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْفَى، بِخِلَافِ حَدِيثِ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ وَنَاشِئٍ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْإِسْلَامِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ. (وَلَا حَدَّ عَلَى كَافِرٍ) وَلَوْ ذِمِّيًّا (لِشُرْبِ) خَمْرٍ لِاعْتِقَادِهِ حِلَّهُ كَنِكَاحِ مَجُوسِيٍّ ذَاتَ مَحْرَمِهِ. (وَيَثْبُتُ) شُرْبُ مُسْكِرٍ (بِإِقْرَارٍ) بِهِ (مَرَّةً كَقَذْفٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَتَضَمَّنُ إتْلَافًا بِخِلَافِ زِنًا وَسَرِقَةٍ (أَوْ) بِ (شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ) عَلَى الشُّرْبِ أَوْ الْإِقْرَارِ بِهِ (وَلَوْ لَمْ يَقُولَا) شَرِبَ (مُخْتَارًا عَالِمًا) بِ (تَحْرِيمِهِ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَتَقَدَّمَ وَيُقْبَلُ رُجُوعُ مُقِرٍّ بِهِ فَلَا يُحَدَّ. (وَيَحْرُمُ عَصِيرُ) عِنَبٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ رَكَانِ أَوْ غَيْرُهُ (غَلَى) كَغَلَيَانِ الْقِدْرِ بِأَنْ قَذَفَ بِزَبَدِهِ نَصًّا وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ لَمْ يُسْكِرْ لِأَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الشِّدَّةُ الْحَادِثَةُ فِيهِ وَهِيَ تُوجَدُ بِوُجُودِ الْغَلَيَانِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ {عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ فَتَحَيَّنْت فِطْرَهُ بِنَبِيذٍ صَنَعْته فِي دُبَّاءَ ثُمَّ أَتَيْته بِهِ فَإِذَا هُوَ يَنُشُّ. فَقَالَ: اضْرِبْ بِهَذَا الْحَائِطَ فَإِنَّ هَذَا شَرَابُ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ (أَوْ) أَيْ وَيَحْرُمُ عَصِيرٌ (أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ) وَإِنْ لَمْ يَغْلِ نَصًّا. لِحَدِيثِ {اشْرَبُوا الْعَصِيرَ ثَلَاثًا مَا لَمْ يَغْلِ} رَوَاهُ الشَّالَنْجِيُّ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعَصِيرِ: اشْرَبْهُ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ شَيْطَانُهُ، قِيلَ: وَفِي كَمْ يَأْخُذُهُ شَيْطَانُهُ؟. قَالَ فِي ثَلَاثَةٍ حَكَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَلِحُصُولِ الشِّدَّةِ فِي الثَّلَاثِ غَالِبًا وَهِيَ خَفِيَّةٌ تَحْتَاجُ لِضَابِطٍ، وَالثَّلَاثُ تَصْلُحُ لِذَلِكَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا بِهَا (وَإِنْ طُبِخَ) عَصِيرٌ (قَبْلَ تَحْرِيمٍ) أَيْ: قَبْلَ غَلَيَانِهِ وَإِتْيَانِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ عَلَيْهِ (حَلَّ إنْ ذَهَبَ) بِطَبْخِهِ (ثُلُثَاهُ) فَأَكْثَرَ نَصًّا، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يَشْرَبُ مِنْ الطِّلَاءِ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَلَهُ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَلِذَهَابِ أَكْثَرَ رُطُوبَتِهِ فَلَا يَكَادُ يَغْلِي فَلَا تَحْصُلُ فِيهِ الشِّدَّةُ، بَلْ يَصِيرُ كَالرُّبِّ (وَوَضْعُ زَبِيبٍ فِي خَرْدَلٍ كَعَصِيرٍ) فَيَحْرُمُ إنْ غَلَى أَوْ أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ (وَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ) أَيْ زَبِيبٍ فِي خَرْدَلٍ (خَلٌّ أُكِلَ) نَصًّا وَلَوْ بَعْدَ ثَلَاثٍ لِأَنَّ الْخَلَّ يَمْنَعُ غَلَيَانُهُ. (وَيُكْرَهُ الْخَلِيطَانِ كَنَبِيذِ تَمْرٍ مَعَ زَبِيبٍ) أَوْ بُسْرٍ مَعَ تَمْرٍ أَوْ رُطَبٍ (وَكَذَا) نَبِيذٌ (مُذَنِّبٌ) أَيْ: مَا نِصْفُهُ بُسْرٌ وَنِصْفُهُ رُطَبٌ (وَحْدَهُ) لِأَنَّهُ بُسْرٌ وَرُطَبٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا {نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا، وَنَهَى أَنْ يُنْبَذَ الرُّطَبُ وَالْبُسْرُ جَمِيعًا} رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ {نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَخْلِطَ بُسْرًا بِتَمْرٍ وَزَبِيبًا بِتَمْرٍ أَوْ زَبِيبًا بِبُسْرٍ. وَقَالَ مَنْ شَرِبَهُ مِنْكُمْ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا أَوْ تَمْرًا فَرْدًا أَوْ بُسْرًا فَرْدًا} رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ {كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِقَاءٍ فَنَأْخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ فَنَطْرَحُهُمَا فِيهِ وَنَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَنَنْبِذُهُ غَدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً وَنَنْبِذُهُ عَشِيَّةً فَيَشْرَبُهُ غَدْوَةً} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ قَالَ فِي شَرْحِهِ: فَمَحْمُولٌ عَلَى نَسْخِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ بِغَيْرِ ذَلِكَ. انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ شَرْطُ النَّسْخِ عِلْمُ التَّارِيخِ و(لَا) يُكْرَهُ (وَضْعُ تَمْرٍ) وَحْدَهُ (أَوْ) وَضْعُ (زَبِيبٍ) وَحْدَهُ (أَوْ) وَضْعُ (نَحْوَهُمَا) كَمِشْمِشٍ أَوْ عُنَّابٍ وَحْدَهُ (فِي مَاءٍ لِتَحْلِيَتِهِ) أَيْ: الْمَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ (مَا لَمْ يَشْتَدَّ) أَيْ يَفْعَلْ (أَوْ تَتِمَّ لَهُ ثَلَاثُ) لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَنَّهُ كَانَ يُنْقَعُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّبِيبُ فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ بَعْدَ الْغَدِ إلَى مَسَاءِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُسْقَى ذَلِكَ الْخَدَمَ أَوْ يُهْرَاقُ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. (وَلَا) يُكْرَهُ (فُقَاعٌ) حَيْثُ لَمْ يَشْتَدَّ وَلَمْ يَغْلِ، لِأَنَّهُ نَبِيذٌ يُتَّخَذُ لِهَضْمِ الطَّعَامِ وَصِدْقِ الشَّهْوَةِ، لَا لِلْإِسْكَارِ وَمِثْلُهُ الْأَقْسِمَاءُ إذَا كَانَ مِنْ زَبِيبٍ وَحْدَهُ مَا لَمْ يَغْلِ أَوْ تَأْتِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا (وَلَا) يُكْرَهُ (انْتِبَاذٌ فِي دُبَّاءَ) بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ، أَيْ: الْقَرْعَةِ (وَ) لَا فِي (حَنْتَمٍ) أَيْ جِرَارٍ خُضْرٍ (وَ) لَا فِي (مُقَيَّرٍ) أَيْ: مَا حُفِرَ مِنْ خَشَبٍ كَقَصْعَةٍ وَقَدَحٍ (وَ) لَا فِي (مُزَفَّتٍ) أَيْ: مُلَطَّخٍ بِالزِّفْتِ لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا {كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْأَشْرِبَةِ إلَّا فِي ظُرُوفِ الْأُدْمِ فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا (وَإِنْ غَلَى عِنَبٌ وَهُوَ عِنَبٌ) بِلَا عَصْرٍ (فَلَا بَأْسَ بِهِ) نَصًّا وَمِثْلُهُ بِطِّيخٌ وَنَحْوُهُ، وَإِنْ اسْتَحَالَ خَمْرًا حَرُمَ وَتَنَجَّسَ. (وَمَنْ تَشَبَّهَ بِالشُّرَّابِ) بِضَمِّ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ جَمْعُ شَارِبٍ أَيْ: لِلْخَمْرِ (فِي مَجْلِسِهِ وَآنِيَتِهِ، وَحَاضَرَ مَنْ حَاضَرَهُ بِمَجَالِسِ الشُّرَّابِ، حَرُمَ وَعُزِّرَ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ) وَلَوْ كَانَ الْمَشْرُوبُ لَبَنًا وَهَذَا مَنْشَأُ مَا وَقَعَ فِي قَهْوَةِ الْبُنِّ حَيْثُ اسْتَنَدَ إلَيْهِ مَنْ أَفْتَى بِتَحْرِيمِهَا، وَلَا يَخْفَاك أَنَّ الْمُحَرَّمَ التَّشَبُّهُ لَا ذَاتُهَا حَيْثُ لَا دَلِيلَ يَخُصُّهُ لِعَدَمِ إسْكَارِهَا كَمَا هُوَ مَحْسُوسٌ.
(وَهُوَ) لُغَةً الْمَنْعُ وَمِنْهُ التَّعْزِيرُ بِمَعْنَى النُّصْرَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} لِمَنْعِ النَّاصِرِ الْمُعَادِي وَالْمُعَانِدِ لِمَنْ يَنْصُرُهُ، وَاصْطِلَاحًا: (التَّأْدِيبُ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ (وَيَجِبُ) التَّعْزِيرُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي سَبِّ صَحَابِيٍّ وَكَحَدٍّ وَكَحَقِّ آدَمِيٍّ طَلَبَهُ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ: لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ يُعَاقَبُ عَلَى الْفَاحِشَةِ تَعْزِيرًا بَلِيغًا (فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ كَمُبَاشَرَةٍ دُونَ الْفَرْجِ وَ) إتْيَانِ (امْرَأَةٍ امْرَأَةً وَسَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا) لِفَقْدِ حِرْزٍ وَنَقْصِ نِصَابٍ وَنَحْوِهِ (وَجِنَايَةٍ لَا قَوَدَ فِيهَا) كَصَفْعٍ وَوَكْزٍ أَيْ: الدَّفْعِ وَالضَّرْبِ بِجَمْعِ الْكَفِّ (وَكَقَذْفِ غَيْرِ وَلَدٍ بِغَيْرِ زِنًا) وَلِوَاطٍ كَقَوْلِهِ: يَا فَاسِقُ وَنَحْوُهُ يَا شَاهِدَ زُورٍ (وَكَلَعْنِهِ وَلَيْسَ لِمَنْ لُعِنَ رَدُّهَا) عَلَى مَنْ لَعَنَهُ (وَكَدُعَاءٍ عَلَيْهِ وَشَتْمِهِ بِغَيْرِ فِرْيَةٍ) فَإِنْ شَتَمَهُ بِالْفِرْيَةِ أَيْ: الْقَذْفِ بِصَرِيحِ الزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ حُدَّ (وَكَذَا) قَوْلُهُ لِغَيْرِ وَلَدِهِ (اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَيْك وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَقَوْلِهِ (خَصْمُك اللَّهُ) وَكَذَا تَرْكُ الْوَاجِبَاتِ (قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ) أَيْ: الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ إلَّا إذَا شَتَمَ نَفْسَهُ (أَوْ سَبَّهَا) فَلَا يُعَزَّرُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْصِيَةِ حَدٌّ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ كَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ فَلَا تَعْزِيرَ. (وَلَا يُحْتَاجُ) فِي إقَامَةِ تَعْزِيرٍ (إلَى مُطَالَبَةٍ) لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلتَّأْدِيبِ (فَيُعَزَّرُ مَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا وَلَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَلَمْ يُطَالِبْ) بِالتَّعْزِيرِ، وَفِي سُقُوطِهِ بِعَفْوِ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ خِلَافٌ. فَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَيَسْقُطُ بِعَفْوِ آدَمِيٍّ حَقُّهُ وَحَقُّ السَّلْطَنَةِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لَا لِلتَّهْذِيبِ وَالتَّقْوِيمِ. وَفِي الِانْتِصَارِ فِي قَذْفِ مُسْلِمٍ كَافِرًا التَّعْزِيرُ لِلَّهِ فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ. (وَيُعَزَّرُ بِعِشْرِينَ سَوْطًا بِشُرْبِ مُسْكِرٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مَعَ الْحَدِّ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ أَنَّ عَلِيًّا أَتَى بِالنَّجَاشِيِّ قَدْ شَرِبَ خَمْرًا فِي رَمَضَانَ فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ الْحَدَّ وَعِشْرِينَ سَوْطًا لِفِطْرِهِ فِي رَمَضَانَ (وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ حُدَّ مَا لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَهُ فَيُجْلَدُ مِائَةً إنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ فِيهِمَا) أَيْ: فِيمَا إذَا شَرِبَ مُسْكِرًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ الَّتِي أَحَلَّتْهَا لَهُ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ " أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيبٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ فَرُفِعَ إلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْكُوفَةِ فَقَالَ: لَأَقْضِيَنَّ فِيكَ بِقَضِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَكَ جَلَدْتُك مِائَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَكَ رَجَمْتُك بِالْحِجَارَةِ فَوَجَدُوهَا أَحَلَّتْهَا فَجَلَدَهُ مِائَةً " (وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ) لِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ وَالشُّبْهَةِ (وَلَا يَسْقُطُ حَدٌّ بِإِبَاحَةٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ) أَيْ: مَا إذَا أَحَلَّتْ امْرَأَةٌ أَمَتَهَا لِزَوْجِهَا. (وَمَنْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ عُزِّرَ بِمِائَةٍ) سَوْطٍ (إلَّا سَوْطًا) نَصًّا لِيَنْقُصَ عَنْ حَدِّ الزِّنَا (وَلَهُ) أَيْ: الْحَاكِمِ (نَقْصُهُ) أَيْ: التَّعْزِيرِ فِيمَا سَبَقَ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ (وَلَا يُزَادُ فِي) جَلْدِ (تَعْزِيرٍ عَلَى عَشْرِ) جَلْدَاتٍ (فِي غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ) نَصًّا لِحَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ مَرْفُوعًا {لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِلْحَاكِمِ نَقْصُهُ عَنْ الْعَشَرَةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّرَ أَكْثَرَهُ وَلَمْ يُقَدِّرْ أَقَلَّهُ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ بِحَسَبِ حَالِ الشَّخْصِ وَيُشْهَرُ لِمَصْلَحَةٍ نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي شَاهِدِ زُورٍ وَيَكُونُ التَّعْزِيرُ أَيْضًا بِالْحَبْسِ وَالصَّفْعِ وَالتَّوْبِيخِ وَالْعَزْلِ عَنْ الْوِلَايَةِ وَإِقَامَتِهِ مِنْ الْمَجْلِسِ حَسْبَمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ وَيَصْلُبُهُ حَيًّا وَلَا يُمْتَنَعُ مِنْ أَكْلٍ وَوُضُوءٍ وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ وَلَا يُعِيدُ. وَفِي الْفُنُونِ لِلسُّلْطَانِ سُلُوكُ السِّيَاسَةِ وَهُوَ الْحَزْمُ عِنْدَنَا وَلَا تَقِفُ السِّيَاسَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ. (وَيُحَرَّمُ تَعْزِيرٌ بِحَلْقِ لِحْيَةٍ وَقَطْعِ طَرَفٍ وَجَرْحٍ) لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ (وَ) يُحَرَّمُ تَعْزِيرٌ (بِأَخْذِ مَالٍ أَوْ إتْلَافِهِ) لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ و(لَا) يُحَرَّمُ تَعْزِيرٌ (بِتَسْوِيدِ وَجْهٍ وَلَا بِأَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ وَيُطَافَ بِهِ مَعَ ضَرْبِهِ) قَالَ أَحْمَدُ فِي شَاهِدِ الزُّورِ فِيهِ، عَنْ عُمَرَ يُضْرَبُ ظَهْرُهُ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَخَّمُ وَجْهُهُ وَيُطَافُ بِهِ وَيُطَالُ حَبْسُهُ. (وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا حَاجُّ) أُدِّبَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْبِيهِهِمْ فِي قَصْدِ كَنَائِسِهِمْ بِقُصَّادِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَفِيهِ تَعْظِيمٌ لِذَلِكَ (أَوْ لَعَنَهُ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ أُدِّبَ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ أَدَبًا خَفِيفًا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْعَنَهُ إلَّا إنْ صَدَرَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ. (وَمَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ حَتَّى بِعَيْنِهِ حُبِسَ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ). وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لِلْوَالِي فِعْلُهُ لَا لِلْقَاضِي وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَدْفَعَ ضَرَرَهُ قَالَ. (الْمُنَقِّحُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَقْتُلَ الْعَائِنَ إذَا كَانَ يَقْتُلُ بِعَيْنِهِ غَالِبًا، وَأَمَّا مَا يُتْلِفُهُ فَيَغْرَمُهُ انْتَهَى). وَفِي شَرْحِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ لِابْنِ الْقَيِّمِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ بَلْ غَلَبَ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَقْتَصَّ مِنْهُ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَقَدَرَ عَلَى رَدِّهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَقْتُلُ بِهِ سَاغَ لِلْوَالِي أَنْ يَقْتُلَهُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَهُ بِهِ فَيُعِينُهُ إنْ شَاءَ كَمَا أَعَانَ هُوَ الْمَقْتُولَ وَأَمَّا قَتْلُهُ بِالسَّيْفِ قِصَاصًا فَلَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا وَلَا هُوَ مُمَاثِلٌ لِلْجِنَايَةِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاحِرِ مِنْ وَجْهَيْنِ، قَالَ وَسَأَلْت شَيْخَنَا عَنْ الْقَتْلِ بِالْحَالِ هَلْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَقَالَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَهُ بِالْحَالِ كَمَا قَتَلَ بِهِ. (وَمَنْ اسْتَمْنَى مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ حَرُمَ) فِعْلُهُ ذَلِكَ (وَعُزِّرَ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ (وَإِنْ فَعَلَهُ خَوْفًا مِنْ الزِّنَا) أَوْ اللِّوَاطِ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) كَمَا لَوْ فَعَلَهُ خَوْفًا عَلَى بَدَنِهِ بَلْ أَوْلَى (فَلَا يُبَاحُ) الِاسْتِمْنَاءُ لِرَجُلٍ بِيَدِهِ (إلَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نِكَاحٍ وَلَوْ لِأَمَةٍ) لِأَنَّهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَقِيَاسُهُ الْمَرْأَةُ فَلَا يُبَاحُ لَهَا إلَّا إذَا لَمْ يَرْغَبْ أَحَدٌ فِي نِكَاحِهَا. (وَلَوْ اُضْطُرَّ إلَى جِمَاعٍ وَلَيْسَ مَنْ يُبَاحُ وَطْؤُهَا) مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ (حُرِّمَ الْوَطْءُ) بِخِلَافِ أَكْلِهِ فِي الْمَخْمَصَةِ مَا لَا يُبَاحُ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّ الْحَيَاةَ لَا تَبْقَى مَعَ عَدَمِ الْأَكْلِ بِخِلَافِ الْوَطْءِ فَإِبَاحَةُ الْفَرْجِ بِالْعَقْدِ دُونَ الضَّرُورَةِ وَإِبَاحَةُ الْمَيْتَةِ بِالضَّرُورَةِ دُونَ الْعَقْدِ.
|